كتاب تاريخ الجزائر الثقافي (اسم الجزء: 4)

عزيز. إن السلطة الفرنسية كانت تهيء الجو، في الواقع، لابنه صالح (ابن عزيز). الذي أصبح موظفا إداريا، والذي سيكون نعم الخلف لشر سلف، إذ يتماشى تعيينه على رأس الرحمانية، مع مبادئ هذه السلطات في تفتيت الطرق الكبرى وجعلها فروعا مشتتة أو مستقلة، كما يقولون. ولكن ذلك لن يكون ما دام الشيخ عزيز حيا.
وقد بقي عزيز حيا إلى سنة 1895، وحصل فعلا على العفو في هذه السنة، بعد جهود مضنية جعلته يعد الفرنسيين بنصائح وفوائد يجنونها من عودته، فقد رخصت له السلطات الفرنسية بالتوجه إلى باريس للعلاج في السنة المذكورة (1895). ولا ندري ما الضمانات التي حصل عليها ولا المأمول منه لدى هذه السلطات، فالظاهر أن الجانب الإنساني كان وراء الترخيص، ولكن السلطات الفرنسية كانت تعرف أن عزيز على صلة، كما قالوا، بكل أعيان العالم الإسلامي الروحيين، في وقت كانت فيه فرنسا تعيد ترتيب سياستها الإسلامية في المشرق على ضوء تيار الجامعة الإسلامية، فلماذا تترك هذا الغريم يعكر صفو خططها ويشوه سمعتها في الحجاز وغيره، ويكون مطية لأي راكب ضد السياسة الفرنسية؟ ألم تسمح للهاشمي بن الأمير عبد القادر بالرجوع والاستقرار في الجزائر بأسرته سنة 1892 (عهد جول كامبون)؟ ألم ترخص بزيارة فرنسا والجزائر لبعض أعيان وصحافي الشرق؟ ولكن عزيز لم تطل إقامته في باريس، فقد توفي بعد قليل من حلوله بها، دون أن نعرف الآن سبب الوفاة، وقد جيء بجثمانه إلى قسنطينة ودفن بها (¬1).
وتذهب بعض المصادر الفرنسية التي يحلو لها تخليط الأوراق لمصلحتها أن بعض مقدمي الرحمانية في الجزائر بقوا على ولائهم لعزيز بعد وفاة أبيه ولم يعترفوا بخلافة ابن الحملاوي، وتقول إن هؤلاء سيعترفون بابن عزيز، صالح، كشيخ عليهم عندما يكون هذا قد قرر أخذ شؤون الطريقة الرحمانية
¬__________
(¬1) ديبون وكوبولاني، مرجع سابق، ص 285.

الصفحة 173