كتاب تاريخ الجزائر الثقافي (اسم الجزء: 4)

أوصلها بعضهم إلى سبع مراحل، وكلها تقوم على تطهير النفس وتصفية القلب، والمجاهدة وترديد الذكر وإتقان الواجبات، ويمكن في المراحل الأولى لمختلف فئات الإخوان أن يصلوا إلى هذه الرتبة بعد السلوك الصارم في الحياة، حسب تعاليم الطريقة، ثم تأتي بعد ذلك درجات أخرى من الأذواق التي تؤدي إلى مرحلة الجذب: كالجذب العاطفي والجذب القلبي، والجذب النفساني، والجذب الصوفي، وأخيرا جذب التملك، وتتلخص كلها في الوصول إلى ما يسميه ابن خلدون بالمقام، وما يسميه البعض بالحال، أو الحق، ولا يتوصل إلى هذه الدرجة إلا عن طريق التقشف ونكران الذات، والحرمان من الملذات، والقسوة على النفس بالصوم والتهجد والتيقظ القلبي ومراقبة الله في السر والعلانية.
وهذه مصطلحات الدخول إلى الطريقة التي هي أيضا مصطلحات شائعة بينها، ولا تكاد تختص بها واحدة دون الأخرى، فـ (التلميذ) هو الحاضر بالذات الذي جاء يبتغي الدخول في الطريقة، و (المريد) هو الذي أصبح داخلا في الطريقة ولكنه ما يزال في بداية الطريق إلى الله، فهو الراغب في الله الساعي إلى حرمه الآمن، وإذا تقدم المريد في ممارسات الطريقة وتعاليمها يصبح (فقيرا) بالمعنى الصوفي للكلمة، والفقير هنا هو الذي اختاره الله لحبه وجنابه، ولكنه إذا ازداد قربا من الله ووصل إلى حد المكاشفات التي لا يعرفها كل الناس، فإنه يصبح (سالكا). وقد فسروا ذلك بأنه هو الماشي في طريق الله، أي الذي وجد الطريق الحق وأخذ يسير فيه، فهو مهتد لأنه قد هدي إلى الصراط المستقيم، أما الأكثر قربا إلى الله في هذا السلم فهو (المجذوب). والمجذوب هو الذي يرى الرؤى غير الطبيعية، حين يفقد الإنسان التوازن بين الروح والمادة وتشعر النفس بالانجذاب إلى الله أكثر من انجذابها إلى متاع الدنيا، وهي حالة يترجمها البعض بالجنون، فالمجذوب الصوفي هنا هو المجنون أو الدرويش عند العامة، إنه شخص من الناس جسميا ولكنه ليس منهم روحيا.
ويذهب بعض الباحثين إلى أن هناك علاقة بين ما يمكن أن يترقى إليه

الصفحة 18