كتاب تاريخ الجزائر الثقافي (اسم الجزء: 4)

طموحا ونشطا ولكنه وجد عراقيل إدارية وتواطؤا محليا، فلجأ إلى المغامرة ومواجهة الأمر الواقع بدون عدة، وصفه كور بأنه رجل وسيم الطلعة، له صوت طليق، وحديث جذاب، وكان صوته مسموعا على بعد، وعيناه نافذتان، وكان فخورا بنفسه لدرجة الادعاء والغرور، حسب تعبير كور.
أمام العراقيل الإدارية، حصل صالح خاوة على إجازة من مقدم الرحمانية في زاوية الكرشة، قرب عين مليلة، وهو الشيخ أحمد الشريف، وأصبح مقدما رحمانيا، وكان الشيخ أحمد الشريف تابعا لزاوية باش تارزي في قسنطينة، وكان الشيخ صالح يتصرف باستقلال فيعطي بدوره الإجازات لمن يقومون بالدعاية له، كما كان، حسب كور، يقوم بالتطبيب ويمارس السحر، فجاءته الزيارات (المالية) بكثرة، وكانت له أرض غرسها أشجارا، واستولى على منبع الماء هناك (دوار عين الملاحة). وحين أرادت السلطات أخذ الضرائب منه رفض وادعى أنه على أرض تونسية، وتقول السلطات الفرنسية إن رفضه كان قاطعا وخشنا وأمام الأهالي الذين أراد أن يستثيرهم ضد هذه السلطات، ومن ثمة يفهم أن الإدارة كانت تخشاه وتتهمه بالاستفزاز ضدها وتهديد الأوضاع عامة، ولذلك سجنوه دون محاكمة كما تدل الرواية التي ساقها كور، وكان المتصرفون الإداريون يفعلون ما يريدون بالأهالي، حسب قانون (الأندجينا) المعروف.
واستنجد خاوة بالنائب البان روزي، الذي عرف عنه الاهتمام بشؤون الجزائر والتردد عليها لمعرفة ما يجري فيها، ووصلت شكوى صالح خاوة ضد حاكم مرسط إلى أسماع جورج كليمنصو، رئيس الوزراء، وجرى التحقيق سنة 1910، ولكنه لم يسفر على إنصاف خاوة بل الاستمرار في سجنه، فباع أرضه إلى أحد الأوروبيين واشترى أرضا أخرى في تونس وطلب رخصة بالإقامة فيها فلم يرخص له، بل أنه حمل إلى سجن تقرت حيث ساءت صحته. وظل يحتج على سوء المعاملة والظلم طالبا إذن الإقامة على ملكه في تونس، وحين نشبت الحرب العالمية كان ما يزال سجينا، ونظرا لسوء صحته أطلقوا سراحه ومات في تآجرونة قرب الكاف سنة 1919، وهكذا اختفى رجل لا

الصفحة 184