كتاب تاريخ الجزائر الثقافي (اسم الجزء: 4)

ولذلك خرج الفتى أحمد (التجاني) عن المشري الريان منذ بلغ خمس عشرة سنة وتحرر من الوصاية عليه، ولا شك أن ذلك لم يأت تلقائيا، فالأمور كانت تجري على مرأى ومسمع من المكاتب العربية التي لا تنام لها عين، فقد ولى الفرنسيون الفتى أحمد قيادة عين ماضي منذ 1865، بدل الريان، وفي هذه السنة، كانت ثورة أولاد سيدي الشيخ على أشدها، وهم جيران عين ماضي، وقد اشترك فيها الإخوان (الأحباب) التجانيون دون الرجوع إلى طريقتهم، بغريزة الجهاد التي كانت تدفع الجزائري إلى الثورة ضد العدو بقطع النظر عن الطريقة الصوفية، ولكي يفصل الفرنسيون التجانيين عن ثوار أولاد سيدي الشيخ وأتباعهم، عينوا أحمد التجاني قائدا على عين ماضي وكذلك مقدمأ للتجانية، ليلعب هذا الدور، فأكد لهم، كما يقولون، ولاءه، رغم أن ذلك يضر بسمعته بين المسلمين في الناحية الغربية، لأن الطرق الأخرى هناك - القادرية، والطيبية والدرقاوية - تراقبه وتحكم عليه وتحاسبه، وكذلك الكرزازية والزيانية، لأن الجميع لهم مصالح في المغرب والصحراء، ولا يريدون للتجانية التوسع، ولم يكن أحمد ولا أخوه (12 سنة) (¬1) في مستوى ما يحاك حولهما من ظروف وتحالفات دينية وسياسية، وقد لاحظ الفرنسيون أن ذلك سرى أيضا إلى الزعامات الأهلية (أهل السيف والحكم) التي كانت متولية لفرنسا، إذ أصبحوا تحت تأثير الطرق المعادية للتجانية، ويقول (رين): إن هذا العداء للولدين، أحمد والبشير، قد ظهر حتى في بعض الأوساط الفرنسية الرسمية القيادية (¬2).
وفي ضوء ذلك جرى اعتقال الأخوين سنة 1859، فلماذا وكيف؟ بعض الروايات تذهب إلى أن الاعتقال راجع إلى تهاون أحمد التجاني قائد عين ماضي في غلق أبواب البلدة في وجه الثوار، كما فعل سلفه، حسب
¬__________
(¬1) مسألة سن الولدين، أحمد والبشير، مسألة خلافية، ويتوقف أمرها على نسبتهما إلى محمد الصغير التجاني (الذي علمنا أن وفاته كانت سنة 1854).
(¬2) رين، مرجع سابق، 431، ولعل القصة التي رواها العقيد تروميلي تدخل في هذا (العداء الفرنسي) للولدين.

الصفحة 211