كتاب تاريخ الجزائر الثقافي (اسم الجزء: 4)

كانت أساسا رباطا للجهاد، كما سبق، وقد كثر استعمال كلمة الزاوية (وهي الخانقاه في المشرق) حتى أسيء استعمالها أحيانا، وهذا أحد الباحثين يقول إن الزاوية لا تخرج عن ثلاثة أنواع: زاوية مطلقة أو منسوبة لمكان ما، بنيت للعلم وأفعال البر والإحسان، ولا تنسب إلى شخص معين (وهذه أحسن أنواع الزوايا). ثم الزاوية المنسوبة إلى شخص ميت تقدسه العامة وتحيي ذكراه، وهو مدفون بالزاوية وتنسب إليه، وفي هذه الحالة تأتي العامة إلى الزاوية زائرة وطالبة للبركة لا للعلم ولا للإحسان، أما النوع الثالث، وهو موضوعنا، وهو الزاوية المنسوبة إلى إحدى الطرق الصوفية، وهي إما زاوية الطريقة الأم وإما فرع لها ولكن تنسب إليها (¬1). وسنرى أن بعض الزوايا كانت منطلقا لإعلان الجهاد، وبذلك كانت تقوم بدور الرباط المعهود.
ويفرق بعض الباحثين بين الزوايا القديمة أو زوايا المرابطين، وزوايا الطرق الصوفية، فالنوع الأول مؤسس، في نظره، للطلبة ونشر العلم، أو هو لاستقبال الغرباء والبؤساء والمحرومين الذين يبحثون عن ملجإ، أو هو مكان للزوار الذين يأتون لتقديم الصدقات، والمسافرين المقطوعين، والمشردين، وهذا النوع من الزوايا موجود لدى العائلات المرابطة القديمة، ومن ثمة نرى الصلة بينها وبين الجهاد والعلم وخدمة الفقراء والغرباء، أما النوع الثاني فهو زوايا الطرق الصوفية، والتي قيل عنها إنها غير ذات أهمية خارج المناطق الإقليمية والدار الأم، وقد وجد أن بعضها في الواقع ما هي إلا أكواخ يعطي التعليم بالقرب منها في الهواء الطلق، وهي زوايا للاجتماع الدوري لأصحاب الطريقة (¬2).
وقد فرق السيد ديفوكس بين زوايا الأرياف وزوايا المدن، فقال إن الأولى مبنية حول قبر لمرابط غير معروف كثيرا، ويوجد القبر في دوار تقطنه إحدى القبائل، وفي الدوار أحفاد المرابط، وقال إن هذا التجمع يطلق عليه
¬__________
(¬1) محمد علي دبوز (نهضة الجزائر المباركة). 1/ 47.
(¬2) رين، مرجع سابق، ص 14،

الصفحة 26