كتاب تاريخ الجزائر الثقافي (اسم الجزء: 4)

فإن ذلك من شأنهما لأنهما من رجال السيف والحكم والحرب، أما أن تصدر الدعوة إلى الجهاد من طريقة صوفية فذلك هو عين التعصب الديني والطموح الشخصي، حسب تعبير المصادر الفرنسية (¬1).
والواقع أن الفرنسيين أنفسهم حاولوا استغلال الطرق الصوفية لصالحهم منذ البداية، ففي سنة 1831 وقع اتفاق هو الأول من نوعه بين قائد الجيش الفرنسي الجنرال (بيرتزين) والحاج محيي الدين بن مبارك، مرابط مدينة القليعة، وكان ذلك بنصيحة الناصحين أو المستشارين الذين أشاروا على الجنرال بأن الذي سيهذئ من المقاومة هو إعطاء أحد المرابطين قيادة المناطق المجاورة للعاصمة، فأعطى الجنرال لقب (الآغا) إلى الحاج محيي الدين وكلفه بتهدئة الأوضاع وبمهمة الوساطة بين العرب والفرنسيين، ولكن عهد الجنرال بيرتزين لم يطل وجاء بعده (الدوق دورفيقو) بعقلية الغطرسة والتحكم، وقضى على آمال الواسطة، وعادت المقاومة كأشد ما تكون، وهرب الحاج محيي الدين إلى مليانة حيث سلطة الأمير عبد القادر، وخدم الأمير إلى أن مات حوالي 1834، والذي يهمنا هنا هو أن قيادة المرابطين والطرق الصوفية أخذت تلعب دورا رئيسيا في الأحداث بل الدور الأول، وذلك في الوقت الذي تخاذلت فيه السلطة الزمنية على يد الزعماء العثمانيين من أمثال الداي حسين، والباي حسن بن موسى (وهران) ومصطفى بومزراق (التيطري). وعلى يد رجال المخزن أمثال مصطفى بن إسماعيل في غرب البلاد وفرحات بن سعيد في شرقها، وبعد احتلال قسنطينة (1837) سيظهر أيضا بشكل أجلى تخاذل السلطة الزمنية في أمثال المقرانيين وأولاد ابن قانة، وقيام الطرق الصوفية، سيما الرحمانية التي تحالفت مع الأمير عبد القادر إلى هزيمته 1847، ثم تولت هي (الرحمانية) المقاومة والجهاد بعده، في زواوة
¬__________
(¬1) البحث الذي كتبه مجهول بعنوان (الجهاد أو الحرب المقدسة عند المسلمين) والذي نشر في مصدرين مختلفين وفي زمنين متفاوتين، أحدهما (سجل الإحصاءات - طابلو - لسنة 1839). ص 251 - 258، والثاني في (المجلة الشرقية والجزائرية) سنة 1852، ص 448 - 451، نقلا عن أرشيف وزارة الحربية،

الصفحة 34