كتاب تاريخ الجزائر الثقافي (اسم الجزء: 4)

التصدع، لقد وجد الجنود الفرنسيون المسبلين في الخنادق، في لباس قصير، متواثقين بحبل حول ركبهم، كان عليهم أن يموتوا جميعا بسنكى البنادق الفرنسية، إنهم المسبلون المحاطون بالمرابطين والمستعدون للموت عن آخرهم في سبيل الأرض المقدسة، أرض أجدادهم، كان ذلك سنة 1857، وفي 1871 سجل المؤرخون نفس المشهد: 300 مسبل في عين الحمام سقطوا عند عتبة السور، مسجلين بدمائهم عذاب هذه المعركة الفاصلة التي أوحت إلى خيال عدد من كتاب الروايات والمغامرات (¬1). وعندئذ ظهر المداح والشاعر الشعبي يعلن أن المرابطين والأشراف فشلوا وأن النصر سيأتي من جهة أخرى.
يذهب رين إلى أن المرابطين غير خطرين خطورة الأشراف (المزيفين). المرابط حكيم ولا يغامر، في نظره، أما الشريف فهو شخص متآمر، وبعض الأشراف كانوا مزيفين ولكنهم أذكياء، وهم ينتمون إلى النخبة، ويعرفون كيف يستغلون طيبة العامة، ويقول إن هؤلاء ليسوا خطرين، أما الخطرون فهم نصف المتعلمين منهم، وهم الذين تجعلهم الخرافة الشعبية أشرافا وذوي كرامات، والشريف المزيف في نظره، لا ينتمي إلى طريقة صوفية معينة، لأن انضباط هذه الطرق يمنع من أن يغامر أحد أتباعها بمصيرها ومصير شيوخها، ويستعد الأشراف للقيام بدور المتقشفين والزهاد، وجلب الكرامات كوسائل لإقناع العامة، وبالتواطؤ مع بعض الأتباع، واللجوء إلى الرؤى المنامية، وإرسال الرسائل الغامضة بإمضاء مجهول، وهم في ذلك يتفقون مع المرابطين الذين اتبعوا الزهد والكرامة والرؤى ونحوها، ولكن المرابطين أثبتوا ذلك بالحياة المثالية، والأخلاق والخلوة والمعارف، أما الأشراف المزيفون، في نظر رين، فقد انكشف أمرهم بثوارتهم الفاشلة، ودورهم الذي كان سياسيا أكثر منه دينيا، وهم خطرون حقا، ولذلك كانت الإدارة قاسية
¬__________
(¬1) يشير المرجع إلى الكاتب هوق لورو H، Le Roux الذي كتب رواية عنوانها (مولى الساعة) المستوحاة من ثورة 1871، باريس 1897، انظر ديبون، وكوبولاني، مرجع سابق، ص 178، وكلمة (مسبلين) تعني الذين باعوا أنفسهم في سبيل الله استعدادا للشهادة، وقد شاعت الكلمة نفسها زمن الثورة الأخيرة 1954 - 1962 أيضا،

الصفحة 38