كتاب تاريخ الجزائر الثقافي (اسم الجزء: 4)

مكناس، ولم يربطوا بين (بخارى) المشرق وعبيد (البخاري) الذين اتخذهم السلطان المنصور الذهبي جيشا له، واشتهروا بين أهل المغرب بذلك الاسم (عبيد البخاري) لأنهم كانوا يتقدمون الصفوف بقراءة أحاديث البخاري، وظل مبارك بن يوسف في الجزائر يمارس مهنة الإسكافية إلى احتلالها من قبل الفرنسيين، فذهب إلى الحج (1830) وخرج منها، كما خرج الكثيرون من أهلها، وقد كرر الحج ثماني مرات بعد ذلك في وقت كان الجزائريون ممنوعين من أدائه، وبعد أن التقى بعدد من شيوخ الطرق أو حاول التقرب منهم، رجع إلى الجزائر عن طريق تونس، وتجول في عنابة واستقر في قالمة، وكان يمارس التطواف والتجوال والاتصال بأهل الله وغيرهم، وكون فرقة موسيقية، وأخذ ينشد بواسطتها الأناشيد الدينية وحتى الحربية، وأضاف إلى ذلك الآيات القرآنية، وبعض الأدعية التي استخلصها من الطريقة العيساوية التي أصبح مقدما لها، وفي سنة 1836 استفاد منه الفرنسيون، كما قالوا، أثناء حملتهم الفاشلة على قسنطينة، ونتيجة لذلك كافأه اللقيط يوسف (والغريب أن حياتهما متشابهة، لأن اللقيط يوسف ادعى للفرنسيين أنه ابن غير شرعي لنابليون الأول، واستفادوا أيضا من خبرته ونسبه المشبوه، وعينوه عندئذ - 1836 - بايا على قسنطينة، لينازعوا به شرعية حكم الحاج أحمد) فبنى له اللقيط يوسف زاوية بقبة تعويضا له على خدماته، وهذه الزاوية كانت تقع على بعد قليل من قالمة عند أقدام (ماهونة). وهي تعرف بزاوية عين الدفلى، ولا علاقة لها بعين الدفلى الغربية، وقد أصبحت هذه الزاوية هي مسكن الحاج مبارك المعتاد.
وكان من أهداف تكرار الحج بناء شخصية هذا (المرابط) الجديد في نظر العامة، ذلك أنه كلما رجع من حجة تقام له حفلات الاستقبال التي لا حد لضخامتها وهرجها وبذخها، وكان عدد الأتباع يزداد في كل حجة، وأضاف إلى حجاته الثماني، زيارة إلى المغرب الأقصى، فرجع منها بإجازة مقدم من شيخ زاوية مولاي إدريس، وكذلك جاء بورد الحنصالية من زاويتها الأم بدادس، وكلما غاب ورجع تقام له الحفلات وتضرب الدفوف وتعزف

الصفحة 61