كتاب درر الحكام في شرح مجلة الأحكام (اسم الجزء: 4)

الْخُصُومَاتُ الَّتِي لَمْ يُحَكِّمَا بِهَا. وَفِي هَذِهِ الْمَادَّةِ ثَلَاثَةُ أَحْكَامٍ: الْحُكْمُ الْأَوَّلُ: نُفُوذُ الْحُكْمِ فِي حَقِّ الْخَصْمَيْنِ الْمُحَكِّمَيْنِ لِأَنَّ حُكْمَ الْمُحَكَّمِ هَذَا قَدْ صَدَرَ عَلَيْهِمَا بِوِلَايَةٍ شَرْعِيَّةٍ فَكَمَا أَنَّهُ لَوْ عُزِلَ قَاضٍ بَعْدَ حُكْمِهِ لَا يَبْطُلُ حُكْمُهُ فَكَذَلِكَ لَا يَبْطُلُ حُكْمُ الْمُحَكَّمِ أَيْضًا كَمَا أَنَّ حُكْمَ الْمُحَكَّمِ لَيْسَ بِأَدْنَى مِنْ صُلْحِ الطَّرَفَيْنِ فَكَمَا أَنَّهُ لَيْسَ لِلطَّرَفَيْنِ بَعْدَ صُلْحِهِمَا بِالتَّرَاضِي وَتَمَامِ الصُّلْحِ بَيْنَهُمَا الرُّجُوعُ عَنْ الصُّلْحِ كَمَا جَاءَ فِي الْمَادَّةِ (1556) فَلَيْسَ لَهُمَا الرُّجُوعُ عَنْ حُكْمِ الْمُحَكَّمِ بِطَرِيقِ الْأُولَى الزَّيْلَعِيّ إلَّا أَنَّ نَفَاذَ الْحُكْمِ مَشْرُوطٌ بِمُوَافَقَةِ الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ لِلشَّرْعِ الشَّرِيفِ وَيَجِبُ أَنْ تَكُونَ أَسْبَابُ الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ كَأَسْبَابِ حُكْمِ الْقَاضِي مَبْنِيًّا عَلَى الْبَيِّنَةِ أَوْ الْإِقْرَارِ أَوْ الْيَمِينِ أَوْ النُّكُولِ عَنْ الْيَمِينِ الزَّيْلَعِيُّ والولوالجية فِي الشَّهَادَاتِ فِي الْحَادِيَ عَشَرَ ". فَعَلَى ذَلِكَ لِلْمُدَّعِي إذَا عَجَزَ عَنْ إثْبَاتِ دَعْوَاهُ أَمَامَ الْمُحَكَّمِ أَنْ يَطْلُبَ تَحْلِيفَ خَصْمِهِ الْيَمِينَ فَإِذَا حَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْيَمِينَ فَلَيْسَ لِلْمُدَّعِي أَنْ يَطْلُبَ بَعْدَ ذَلِكَ تَحْلِيفَهُ الْيَمِينَ أَمَامَ الْقَاضِي. أَمَّا إذَا حَكَمَ بَعْدَ مُرَافَعَةِ الطَّرَفَيْنِ قَائِمًا: رَأْيِي كَذَا بِدُونِ أَنْ تُوجَدَ أَحَدُ أَسْبَابِ الْحُكْمِ عَلَى أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ فَلَا يَنْفُذُ حُكْمُهُ.
الْحُكْمُ الثَّانِي: هُوَ أَنَّ حُكْمَ الْمُحَكَّمِ لَا يَسْرِي عَلَى غَيْرِ الْخَصْمَيْنِ وَيُسْتَفَادُ هَذَا الْحُكْمُ مِنْ اللَّفْظِ فَقَطْ وَأَسْبَابُ عَدَمِ سَرَيَانِ الْحُكْمِ عَلَى غَيْرِ الْخَصْمَيْنِ هِيَ: لِأَنَّ الْمُحَكَّمَ لَيْسَ لَهُ وِلَايَةٌ عَلَى غَيْرِ الْخَصْمَيْنِ لِأَنَّ صَلَاحِيَّةَ الْمُحَكَّمِ لِلْحُكْمِ إنَّمَا حَصَلَتْ بِاصْطِلَاحِ وَاتِّفَاقِ الْخَصْمَيْنِ فَقَطْ. فَالْخَصْمَانِ لَيْسَ لَهُمَا وِلَايَةٌ عَلَى غَيْرِ أَنْفُسِهِمَا، أَمَّا صَلَاحِيَّةُ الْقَاضِي لِلْحُكْمِ فَهِيَ مَمْنُوحَةٌ مِنْ قِبَلِ السُّلْطَانِ الَّذِي لَهُ الْوِلَايَةُ الْعَامَّةُ عَلَى كَافَّةِ النَّاسِ فَالْقَاضِي الْمَنْصُوبُ مِنْ طَرَفِ السُّلْطَانِ لَهُ وِلَايَةٌ عَامَّةٌ عَلَى كَافَّةِ النَّاسِ الزَّيْلَعِيّ وَيَتَفَرَّعُ عَلَى هَذَا الْحُكْمِ الْمَسَائِلُ الْآتِيَةُ: الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: لَوْ تُوُفِّيَ أَحَدٌ وَتَرَكَ عَشْرَةً وَرَثَةً وَاتَّفَقَ دَائِنُ الْمُتَوَفَّى زَيْدٌ مَعَ أَحَدِ وَرَثَةِ الْمُتَوَفَّى عَمْرٍو عَلَى نَصْبِ مُحَكَّمٍ لِفَصْلِ دَعَاوَى الدَّيْنِ الَّذِي يَدَّعِيَ عَلَى الْمَيِّتِ فَأَثْبَتَ زَيْدٌ فِي حُضُورِ الْمُحَكَّمِ وَمُوَاجَهَةِ عَمْرٍو الدَّيْنَ الَّذِي لَهُ فِي ذِمَّةِ الْمُتَوَفَّى بِالْبَيِّنَةِ وَحَكَمَ الْمُحَكَّمُ بِمُوجَبِهَا فَهَذَا الْحُكْمُ لَا يَشْمَلُ التِّسْعَةَ الْوَرَثَةَ الْغَائِبِينَ مَعَ أَنَّهُ لَوْ صَدَرَ هَذَا الْحُكْمُ مِنْ طَرَفِ الْقَاضِي الْمَنْصُوبِ مِنْ قِبَلِ السُّلْطَانِ لَكَانَ سَارِيًا عَلَى الْوَرَثَةِ التِّسْعَةِ بِمُوجِبِ الْمَادَّةِ (1642) . الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يَتَجَاوَزُ حُكْمُ الْمُحَكَّمِ بِالرَّدِّ بِالْعَيْبِ إلَى بَائِعِ الْبَائِعِ " 1 " كَمَا أَنَّهُ لَا يَتَعَدَّى حُكْمُهُ الْغَائِبَ مَعَ أَنَّهُ قَدْ بَيَّنَ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ " 130 " أَنَّ حُكْمَ الْقَاضِي يَشْمَلُ الْغَائِبَ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ رَدُّ الْمُحْتَارِ ".

الصفحة 697