كتاب مواهب الجليل لشرح مختصر الخليل - الفكر (اسم الجزء: 4)

وإلا وجب الإحرام وأساء تاركه ولا دم إن لم يقصد نسكا
ـــــــ
كان الموضع بعيدا أو قريبا وأقام به فعليه أن يدخل محرما. قال وإن كان من أهل مكة قال وحد القرب في ذلك ما إذا خرج على أن يعود لم يلزمه الوداع. قال وهو ما دون المواقيت انتهى مختصرا بالمعنى. وظاهره أن ما بعد المواقيت بعيد مطلقا وليس كذلك فإن الطائف وراء الميقات وقد جعلها في الرواية من القريب. ولو حدد القريب بما كان على مسافة القصر فأقل لكان حسنا لأن المواضع المذكورة في الرواية جعلها مالك في الموطأ حد المسافة القصر ولم يفصل في الرواية بين أن يقيم في الموضع الذي خرج إليه أو يرجع بسرعة. وقيده ابن رشد بأن لا يقيم كما تقدم وعبر عن ذلك ابن عرفة بطول الإقامة. ولم يبينوا الطول ما هو وكأنهم أحالوا ذلك على العرف فقول المصنف "أو عاد لها الأمر" فكذلك يقيد بقيدين على ما قاله ابن رشد بأن يكون عاد من قريب وأن يكون عوده لأمر عاقه عن السفر ويلحق بهذا في جواز الدخول بغير إحرام من دخل لقتال بوجه جائز كما ذكره المصنف في مناسكه وذكره غيره. ويلحق بهذا أيضا على ما قاله صاحب الطراز من كان خائفا من سلطانها ولا يمكنه أن يظهر أو كان خائفا من جور يلحقه بوجه قال فهذا لا يكره له دخولها حلالا في ظاهر المدونة لأن ذلك يجوز مع عذر التكرار فكيف بعذر المخالفة وقاله الشافعي وغيره انتهى. قلت: وما قاله ظاهر والله أعلم.
فرع: إذا أجزنا له الدخول بغير إحرام كما في الرواية فإن ذلك لم يرد الدخول بأحد النسكين وأما إن أراد ذلك فيتعين عليه الإحرام من موضعه الذي خرج إليه إن كان دون الميقات كجدة وعسفان وإن جاوزه بغير إحرام مع إرادته لأحد النسكين ثم أحرم من دونه لزمه الدم وهو ظاهر كما صرحوا بأن من جاوز الميقات ولم يكن مريدا لدخول مكة ثم أراد بعد ذلك الدخول بأحد النسكين فإنه يلزمه الإحرام من موضعه ذلك وأنه متى جاوزه كان عليه دم كما صرح به في التلقين وغيره وبذلك شاهدت والدي يفتي غير مرة فيمن خرج لجدة بنية العود ثم إنه لما رجع أخر الإحرام إلى حدة ولم يحرم من جدة. وحدة بالحاء المهملة قرية بين مكة وجدة. وعرضته على جماعة من المشايخ فوافقوا عليه وخالف في ذلك بعض مشايخنا وليس بظاهر وكلمه الوالد في ذلك وما أدري هل رجع عن ذلك أم لا والله أعلم. ص: "وإلا وجب الإحرام وأساء تاركه ولا دم إن لم يقصد نسكا" ش: يعني أن المار بالميقات إذا كان مريدا لدخول مكة ولم يكن كعبد ولا من المترددين ولا ممن عاد لأمر فإنه يجب عليه الإحرام سواء أراد دخولها لأحد النسكين أو لغير ذلك. فإن دخلها بغير إحرام فقد

الصفحة 57