كتاب مواهب الجليل لشرح مختصر الخليل - الفكر (اسم الجزء: 4)
ولا دم وإن علم
ـــــــ
أنه يرجع أينما كان حتى لم يحرم. قال ابن المواز وقيل يرجع ما لم يشارف مكة فإن شارفها أحرم وأهدى. وهذا قول جمهور أهل العلم. انتهى. وقال بعد ذلك في شرح مسألة أخرى من أراد دخولها بحج أو عمرة فلا يجوز له دخولها إلا حراما فإن دخلها بغير حرام ثم رجع إلى بلده فقد عصى ولا قضاء عليه لأن الإحرام إنما شرع لتحية البقعة فإذا لم يأت به سقط فعله كما في تحية المسجد. واختلف هل عليه دم أو لا فقال ابن القاسم لا دم عليه ورواه عن مالك. وقال مالك في الموازية عليه دم انتهى. وما ذكره عن ابن القاسم هو مذهب المدونة كما صرح به سند. وظاهر هذه النقول كلها أنه يرجع ما لم يحرم ولو دخل مكة وبذلك أفتى الشيخ العلامة مفتي الديار المصرية ناصر الدين اللقاني أدام الله النفع به آمين. وذكر في فتواه بعض كلام البراذعي وصاحب الإكمال. وجعل اللخمي القول الذي ذكره محمد بن المواز تقييد للأول فقال ومن تعدى الميقات وهو يريد الإحرام رجع ما لم يحرم أو يخاف فوات أصحابه ولا يجد من يصحبه ألا يشارف مكة فإنه يمضي ويهدي. وكذا ذكره التادلي عن أبي إبراهيم في طرزه على المدونة. وقال ابن عرفة وجعل اللخمي وابن بشير وابن شاس منقول محمد وفاقا بعيد انتهى. وما قاله ابن عرفة ظاهر غير أني لم أقف في كلام ابن بشير وابن شاس على الكلام في هذه المسألة أعني مسألة الرجوع وعدمه مع المشارفة ولم أر لها ذكرا لا في التنبيه ولا في الجواهر. فتحصل من هذا أنه يؤمر بالرجوع إلى الميقات إلى الإحرام وجوبا. ولو دخل مكة فإن رجع فلا دم عليه وإن لم يرجع وأحرم من مكة فعليه الدم. قال البراذعي ومن جاوز الميقات وهو يريد الحج فلم يحرم حتى دخل مكة بغير إحرام فأحرم منها بالحج فعليه دم لترك الميقات وحجه تام وإن جاوز الميقات غير مريد للحج فلا دم عليه وقد أساء فيما فعل حين دخل الحرم حلالا من أي أهل الآفاق كان ولا شيء عليه انتهى. وهذا بعد الوقوع أما ابتداء فمريد النسك يجب عليه الخروج إلى الميقات وغير مريد النسك يستحب له الخروج لميقات فإنه لم يقدر فإلى الحل كما تقدم والله أعلم. ص: "ولا دم ولو علم" ش: يعني أنه إذا رجع إلى الميقات قبل أن يحرم فأحرم منه فإنه لا دم عليه ولو كان حين جاوزه عالما بأنه لا يجوز له مجاوزته. وكلام المصنف هنا أحسن من كلامه في مناسكه حيث قال ثم إن الدم إنما يسقطه بالرجوع إذا جاوزه جاهلا وأما إن جاوزه عالما بقبح فعله فمفهوم المدونة وغيرها أن عليه الدم ولا يسقط رجوعه. وحمل بعضهم المدونة على سقوط الدم بالرجوع مطلقا انتهى.
الصفحة 59
615