كتاب البدر التمام شرح بلوغ المرام (اسم الجزء: 4)

الحكومات وإنْ لم يَجْرِ لها ذكر؛ لأن ذلك مدلول عليه بذكر الحاكم ويؤيد الاستدلال على جواز أخذ الرزق بآية الصدقات، وهُم من جملة المستحقين لها لعطفهم على الفقراء والمساكين بعد قوله: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ} (¬1).
قال الطبري: ذهب الجمهور على جواز أخذ القاضي الأجرة على الحكم لكونه يشغله الحُكْم عن القيام بمصالحه، غير أن طائفة من السلف كرهت ذلك ولم يحرموه مع ذلك، وقال أبو علي الكرابيسي: لا بأس للقاضِي أن يأخذ الرزق على القضاء عند أهل العلم قاطبة من الصحابة ومنْ بعدهم، وهو قول فقهاء الأمصار، لا أعلم بينهم خلافًا، وقد كره ذلك قومٌ منهم مَسْرُوق، ولا أعلم أحدًا منهم حرمه.
قال المُهَلِّب: وَجْه الكراهة أنه في الأصل محمول على الاحتساب لقوله تعالى: {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا} (¬2) فأرادوا أن يجري الأمر فيه على الأصل الذي وضعه الله لِنَبِيِّهِ، ولئلا يدخل فيه مَنْ لا يستحقه فيتحيل على أموال الناس.
وقال غيره: أخذُ الرزق على القضاء إذا كانت جهة الآخذ من الحلال جائز إجماعًا، ومن تركه إنما تركه تورعًا، وأما إذا كانت هناك شبهة فالأولى الترك جزمًا، يحرم إذا كان المال يؤخذ لبيت المال من غير وجهه، واختلف إذا كان الغالب حرامًا.
وأما مِنْ غير بيت المال ففي جواز الأخذ من المتحاكمين خلاف، ومن أجازه شرط فيه شروطًا، وقد حسن القول بالجواز إلى إلغاء الشروط، وفَشَا ذلك في هذه الأعصار بحيث لا يبالي من أي جهة كان، والله المستعان.
¬__________
(¬1) التوبة الآية: 60.
(¬2) سورة الشورى الآية: 23.

الصفحة 385