كتاب البدر التمام شرح بلوغ المرام (اسم الجزء: 4)

واشتراط الثلاثة ذهب إلى ظاهره بعض الشافعية، وأنه لا يقبل في الاعتبار أقل من ذلك، والجمهور على أنه يكفي الاثنان قياسًا على سائر الشهادات، وحملوا هذا على الندب، وهذا محمول على مَنْ كان له مال من قبل وادعى الفقر، وأما من لم يكن كذلك فإنه يُقْبَلُ قوله.
وقوله: "سُحْت" -بضم السين المهملة وسكون الحاء المهملة-: هو الحرام الذي لا يحل كسبه، لأنه يسحت البَرَكَة أي يُذْهبُهَا.
وقوله: "يأكلها سُحْتًا": صفة سحت، والضمير الراجع إلى الموصوف مؤنث على تأويل الصدقة، وفائدة الصفة أنَّ آكِلَ السحت لا يجد للسحت الذي يأكله شبهة يجعله مباحًا على نفسه بَل يأكلها من جهة السحت.
والحديث فيه دلالة على تحريم المسألة في غير ما ذَكَرَ، وأن ما أعطي بالمسألة فهو حرام.
وقد ذهب إلى تحريم السؤال مطلقًا ابن أبي ليلى وتسقط به العدالة لهذا، ولقوله - صلى الله عليه وسلم -: "المسألة كدوح" (¬1) وغيره.
وأجيب بأن ذلك مع الغنى، والتخصيص لمن ذكر بدليله، وقال الإمام يحيى: يجوز سؤال الإمام لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "إلا أن يسأل الرجل ذا سلطان" لا غيره فيكره إلا عن ضرورة كما في حق الثلاثة المذكورين في الحديث.
وذهب العترة والحنفية والشافعية والإمام يحيى أنه يجوز للفقير السؤال لقوله تعالى: {وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ} (¬2) حيث أريد بأحدهما السائل على بعض ما فسر به السلف {وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ} (¬3)، وإذ هو حقه
¬__________
(¬1) مَرّ من حديث سمرة بن جندب رقم 479.
(¬2) الآية 36 من سورة الحج.
(¬3) الآية 10 من سورة الضحى.

الصفحة 390