كتاب ذيل طبقات الحنابلة - لابن رجب - ت العثيمين (اسم الجزء: 4)

أَنَّهُ قَالَ فِي شرح الأربعين للنووي: اعلم أَن من أسباب الخلاف الواقع بَيْنَ الْعُلَمَاء: تعارض الروايات والنصوص، وَبَعْض النَّاس يزعم أَن السبب فِي ذَلِكَ: عُمَر بْن الْخَطَّاب، وَذَلِكَ أَن الصَّحَابَة استأذنوه فِي تدوين السنة من ذَلِكَ الزمان، فمنعهم من ذَلِكَ وَقَالَ: لا أكتب مَعَ الْقُرْآن غيره، مَعَ علمه أَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " اكتبوا لأبي شاه خطبة الوداع "، وقال: " قيدوا العلم بالكتابة ". قَالُوا: فلو ترك الصَّحَابَة يدون كُل واحد مِنْهُم مَا رَوَى عَنِ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لانضبطت السنة، وَلَمْ يبقَ بَيْنَ آخر الأمة وبين النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كُل حَدِيث إلا الصحابي الَّذِي دُونَ روايته، لأن تلك الدواوين كانت تتواتر عَنْهُم إلينا، كَمَا تواتر الْبُخَارِي ومسلم ونحوهما.
فانظر إِلَى هَذَا الْكَلام الخبيث المتضمن: أَن أمِير الْمُؤْمِنيِنَ عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ هُوَ الَّذِي أضل الأمة، قصداً مهْ وتعمدا. ولقد كذب فِي ذَلِكَ وفجر.
ثُمَّ إِن تدوين السنة أَكْثَر مَا يفيد صحتها: وتواترها. وَقَدْ صحت بحمد اللَّه تَعَالَى، وحصل العلم بكثير من الأحاديث الصحيحة المتفق عَلَيْهَا - أَوْ أكثرها - لأهل الْحَدِيث العارفين بِهِ من طرق كثيرة، دُونَ من أعمى اللَّه بصيرته، لاشتغاله عَنْهَا بشبه أهل البدع والضلال. والاخْتِلاف لَمْ يقع لعدم تواترها، بَل وقع من تفاوت فَهُمْ معانيها. وَهَذَا موجود، سواء دونت وتواترت أم لا. وَفِي كلامه إشارة إِلَى أَن حقها اختلط بباطلها، وَلَمْ يتميز. وَهَذَا جهل عظيم.

الصفحة 411