كتاب فتح المغيث بشرح ألفية الحديث (اسم الجزء: 4)

دَقِيقِ الْعِيدِ.
(وَاحْذَرِ) أَيُّهَا الْمُتَصَدِّي لِذَلِكَ، الْمُقْتَفِي فِيهِ أَثَرَ مَنْ تَقَدَّمَ (مِنْ غَرَضٍ) أَوْ هَوًى يَحْمِلُكَ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى التَّحَامُلِ وَالِانْحِرَافِ وَتَرْكِ الْإِنْصَافِ أَوِ الْإِطْرَاءِ وَالِافْتِرَاءِ، فَذَلِكَ شَرُّ الْأُمُورِ الَّتِي تَدْخُلُ عَلَى الْقَائِمِ بِذَلِكَ الْآفَةُ مِنْهَا، وَالْمُتَقَدِّمُونَ سَالِمُونَ مِنْهُ غَالِبًا مُنَزَّهُونَ عَنْهُ ; لِوُفُورِ دِيَانَتِهِمْ، بِخِلَافِ الْمُتَأَخِّرِينَ فَإِنَّهُ رُبَّمَا يَقَعُ ذَلِكَ فِي تَوَارِيخِهِمْ، وَهُوَ مُجَانِبٌ لِأَهْلِ الدِّينِ وَطَرَائِقِهِمْ.
(فَالْجَرْحُ) وَالتَّعْدِيلُ خَطَرٌ ; لِأَنَّكَ إِنْ عَدَّلَتْ بِغَيْرِ تَثَبُّتٍ كُنْتَ كَالْمُثْبِتِ حُكْمًا لَيْسَ بِثَابِتٍ، فَيُخْشَى عَلَيْكَ أَنْ تَدْخُلَ فِي زُمْرَةِ مَنْ رَوَى حَدِيثًا وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّهُ كَذِبٌ، وَإِنْ جَرَّحْتَ بِغَيْرِ تَحَرُّزٍ أَقْدَمْتَ عَلَى الطَّعْنِ فِي مُسْلِمٍ بَرِيءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَوَسَمْتَهُ بِمِيسَمِ سُوءٍ يَبْقَى عَلَيْهِ عَارُهُ أَبَدًا، وَهُوَ فِي الْجَرْحِ بِخُصُوصِهِ، (أَيُّ خَطَرٍ) بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ ثُمَّ الْمُهْمَلَةِ مِنْ قَوْلِهِمْ: خَاطَرَ بِنَفْسِهِ ; أَيْ: أَشْرَفَ عَلَى هَلَاكِهَا ; فَإِنَّ فِيهِ مَعَ حَقِّ اللَّهِ وَرَسُولِهِ حَقَّ آدِمِيٍّ، وَرُبَّمَا يَنَالُهُ إِذَا كَانَ بِالْهَوَى وَمُجَانَبَةِ الِاسْتِوَاءِ الضَّرَرُ فِي الدُّنْيَا قَبْلَ الْآخِرَةِ، وَالْمَقْتُ بَيْنَ النَّاسِ، وَالْمُنَافَرَةُ، كَمَا اتَّفَقَ لِأَبِي شَامَةَ ; فَإِنَّهُ كَانَ مَعَ كَوْنِهِ عَالِمًا رَاسِخًا فِي الْعِلْمِ مُقْرِئًا مُحَدِّثًا نَحْوِيًّا يَكْتُبُ الْخَطَّ الْمَلِيحَ الْمُتْقَنَ مَعَ التَّوَاضُعِ وَالِانْطِرَاحِ، وَالتَّصَانِيفِ الْعِدَّةِ - كَثِيرَ الْوَقِيعَةِ فِي الْعُلَمَاءِ وَالصُّلَحَاءِ وَأَكَابِرِ النَّاسِ وَالطَّعْنِ عَلَيْهِمْ وَالتَّنَقُّصِ لَهُمْ وَذِكْرِ مَسَاوِيهِمْ، وَكَوْنُهُ عِنْدَ نَفْسِهِ عَظِيمًا فَصَارَ سَاقِطًا مِنْ أَعْيُنِ كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ مِمَّنْ عَلِمَ مِنْهُ ذَلِكَ وَتَكَلَّمُوا فِيهِ، وَأَدَّى ذَلِكَ إِلَى امْتِحَانِهِ بِدُخُولِ رَجُلَيْنِ جَلِيلَيْنِ عَلَيْهِ دَارَهُ فِي صُورَةِ مُسْتَفْتِينَ فَضَرَبَاهُ ضَرْبًا مُبَرِّحًا إِلَى أَنْ عِيلَ صَبْرُهُ وَلَمْ يُغِثْهُ أَحَدٌ.

الصفحة 350