كتاب فتح المغيث بشرح ألفية الحديث (اسم الجزء: 4)

نَعَمْ فِي الْخُلَفَاءِ وَآبَائِهِمْ وَأَهْلِيِهِمْ كَمَا قَالَهُ الذَّهَبِيُّ فِي تَرْجَمَةَ دَاوُدَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ مِنْ تَارِيخِ الْإِسْلَامِ لَهُ: قَوْمٌ أَعْرَضَ أَهْلُ الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ عَنْ كَشْفِ حَالِهِمْ ; خَوْفًا مِنَ السَّيْفِ وَالضَّرْبِ، قَالَ: وَمَا زَالَ هَذَا فِي كُلِّ دَوْلَةٍ قَائِمَةٍ يَصِفُ الْمُؤَرِّخُ مَحَاسِنَهَا وَيُغْضِي عَنْ مَسَاوِئِهَا هَذَا إِذَا كَانَتْ ذَا دِينٍ وَخَيْرٍ ; فَإِنْ كَانَ مَدَّاحًا مُدَاهِنًا لَمْ يَلْتَفَتْ إِلَى الْوَرَعِ، بَلْ رُبَّمَا أَخْرَجَ مَسَاوِئِ الْكَبِيرِ وَهَنَاتِهِ فِي هَيْئَةِ الْمَدْحِ وَالْمَكَارِمِ وَالْعَظْمَةِ، فَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ.
وَلَا شَكَّ أَنَّ فِي الْمُتَكَلِّمِينَ فِي ذَلِكَ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ مَنْ كَانَ مِنَ الْوَرَعِ بِمَكَانٍ، كَالْحَافِظِ عَبْدِ الْغَنِيِّ صَاحِبِ (الْكَمَالِ فِي مَعْرِفَةِ الرِّجَالِ) الْمُخَرَّجِ لَهُمْ فِي الْكُتُبِ السِّتَّةِ الَّذِي هَذَّبَهُ الْمِزِّيُّ وَصَارَ كِتَابًا حَافِلًا، عَلَيْهِ مُعَوَّلُ مَنْ جَاءَ بَعْدَهُ، وَاخْتَصَرَهُ شَيْخُنَا وَغَيْرُهُ، وَمِنَ الْمُتَقَدِّمِينَ مَنْ لَمْ يُشَكَّ فِي وَرَعِهِ ; كَالْإِمَامِ أَحْمَدَ، بَلْ قَالَ: إِنَّهُ أَفْضَلُ مِنَ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ. وَابْنِ الْمُبَارَكِ فَإِنَّهُ قَالَ: لَوْ خُيِّرْتُ بَيْنَ أَنِ ادْخُلَ الْجَنَّةَ وَبَيْنَ أَنِ الْقَى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْمُحَرَّرِ لَاخْتَرْتُ أَنِ الْقَاهُ ثُمَّ أَدْخُلَ الْجَنَّةَ. فَلَمَّا رَأَيْتُهُ كَانَتْ بَعْرَةٌ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْهُ، وَابْنِ مَعِينٍ مَعَ تَصْرِيحِهِ بِقَوْلِهِ: إِنَّا لَنَتَكَلَّمُ فِي أُنَاسٍ قَدْ حَطُّوا رِحَالَهُمْ فِي الْجَنَّةِ. وَالْبُخَارِيِّ الْقَائِلِ: مَا اغْتَبْتُ أَحَدًا مُذْ عَلِمْتُ أَنَّ الْغَيْبَةَ حَرَامٌ. وَحُجَّتُهُمُ التَّوَصُّلُ بِذَلِكَ لِصَوْنِ الشَّرِيعَةِ، وَأَنَّ حَقَّ اللَّهِ وَرَسُولِهِ هُوَ الْمُقَدَّمُ.
(وَلَقَدْ أَحْسَنَ) الْإِمَامُ (يَحْيَى) بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ (فِي جَوَابِهِ) لِأَبِي بَكْرِ بْنِ خَلَّادٍ حِينَ قَالَ لَهُ: أَمَا تَخْشَى أَنْ يَكُونَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ تَرَكْتَ حَدِيثَهُمْ خُصَمَاءَكَ عِنْدَ اللَّهِ

الصفحة 357