كتاب فتح المغيث بشرح ألفية الحديث (اسم الجزء: 4)

يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ (وَسَدْ) بِمُهْمَلَتَيْنِ ; أُولَاهُمَا مَفْتُوحَةٌ، أَيْ: وُفِّقَ لِلسَّدَادِ، وَهُوَ الصَّوَابُ وَالْقَصْدُ مِنَ الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ حَيْثُ قَالَ: (لَأَنْ يَكُونُوا) أَيِ: الْمَتْرُوكُونَ (خُصَمَاءَ لِي أَحَبْ) إِلَيَّ (مِنْ كَوْنِ خَصْمِي الْمُصْطَفَى) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِذْ لَمْ أَذُبْ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَضَمِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ ثُمَّ مُوَحَّدَةٍ، أَيْ: أَمْنَعِ الْكَذِبَ عَنْ حَدِيثِهِ وَشَرِيعَتِهِ ; وَلِذَا رَأَى رَجُلٌ عِنْدَ مَوْتِ ابْنِ مَعِينٍ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ مُجْتَمِعِينَ، فَسَأَلَهُمْ عَنْ سَبَبِ اجْتِمَاعِهِمْ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (جِئْتُ لِأُصَلِّيَ عَلَى هَذَا الرَّجُلِ فَإِنَّهُ كَانَ يَذُبُّ الْكَذِبَ عَنْ حَدِيثِي) . وَنُودِيَ بَيْنَ نَعْشِهِ هَذَا الَّذِي كَانَ يَنْفِي الْكَذِبَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ رُؤِيَ فِي النَّوْمِ، فَقِيلَ لَهُ: مَا فَعَلَ اللَّهُ بِكَ؟ قَالَ: غَفَرَ لِي وَأَعْطَانِي وَحَبَانِي وَزَوَّجَنِي ثَلَاثَمِائَةِ حَوْرَاءَ، وَأَدْخَلَنِي عَلَيْهِ مَرَّتَيْنِ. وَقِيلَ فِيهِ:
ذَهَبَ الْعَلِيمُ بِعَيْبِ كُلِّ مُحَدِّثٍ ... وَبِكُلِّ مُخْتَلِفٍ وَفِي الْإِسْنَادِ
وَبِكُلِّ وَهْمٍ فِي الْحَدِيثِ وَمُشْكِلٍ ... يُعْنَى بِهِ عُلَمَاءُ كُلِّ بِلَادِ
فَإِنْ قِيلَ: قَدْ شُغِفَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ الْقَائِمِينَ بِالتَّارِيخِ وَمَا أَشْبَهَهُ ; كَالذَّهَبِيِّ ثُمَّ شَيْخِنَا بِذِكْرِ الْمَعَايِبِ وَلَوْ لَمْ يَكُنِ الْمُعَابُ مِنْ أَهْلِ الرِّوَايَةِ، وَذَلِكَ غَيْبَةٌ مَحْضَةٌ ; وَلِذَا تَعَقَّبَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ ابْنَ السَّمْعَانِيَّ فِي ذِكْرِهِ بَعْضَ الشُّعَرَاءِ وَقَدَحَ فِيهِ بِقَوْلِهِ: إِذَا لَمْ يُضْطَرَّ إِلَى الْقَدْحِ فِيهِ لِلرِّوَايَةِ لَمْ يَجُزْ. وَنَحْوُهُ قَوْلُ ابْنِ الْمُرَابِطِ: قَدْ دَوَّنْتُ الْأَخْبَارَ، وَمَا بَقِيَ لِلتَّجْرِيحِ فَائِدَةٌ، بَلِ انْقَطَعَتْ مِنْ رَأْسِ الْأَرْبَعِمِائَةِ، وَدَنْدَنَ هُوَ غَيْرُهُ مِمَّنْ لَمْ يَتَدَبَّرْ مَقَالَهُ بِعَيْبِ الْمُحَدِّثِينَ بِذَلِكَ، قُلْتُ: الْمَلْحُوظُ فِي تَسْوِيغِ ذَلِكَ كَوْنُهُ نَصِيحَةً وَلَا انْحِصَارَ لَهَا فِي الرِّوَايَةِ، فَقَدْ ذَكَرُوا مِنَ الْأَمَاكِنِ الَّتِي يَجُوزُ فِيهَا ذِكْرُ الْمَرْءِ بِمَا يَكْرَهُ وَلَا يُعَدُّ ذَلِكَ غِيبَةً، بَلْ هُوَ نَصِيحَةٌ وَاجِبَةٌ، أَنْ تَكُونَ

الصفحة 358