كتاب فتح المغيث بشرح ألفية الحديث (اسم الجزء: 4)

لِلْمَذْكُورِ وِلَايَةٌ لَا يَقُومُ بِهَا عَلَى وَجْهِهَا، إِمَّا بِأَنْ لَا يَكُونَ صَالِحًا لَهَا، وَإِمَّا بِأَنْ يَكُونَ فَاسِقًا أَوْ مُغَفَّلًا أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ، فَيُذْكَرُ لِيُزَالَ بِغَيْرِهِ مِمَّنْ يَصْلُحُ، أَوْ يَكُونَ مُبْتَدِعًا أَوْ فَاسِقًا وَيَرَى مَنْ يَتَرَدَّدُ إِلَيْهِ لِلْعِلْمِ وَيُخَافُ عَلَيْهِ عَوْدُ الضَّرَرِ مِنْ قِبَلِهِ بِبَيَانِ حَالِهِ، وَيَلْتَحِقُ بِذَلِكَ الْمُتَسَاهِلُ فِي الْفَتْوَى أَوِ التَّصْنِيفِ أَوِ الْأَحْكَامِ أَوِ الشَّهَادَاتِ أَوِ النَّقْلِ، أَوِ الْمُتَسَاهِلُ فِي ذِكْرِ الْعُلَمَاءِ أَوْ فِي الرِّشَاءِ وَالِارْتِشَاءِ ; إِمَّا بِتَعَاطِيهِ لَهُ، أَوْ بِإِقْرَارِهِ عَلَيْهِ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى مَنْعِهِ، وَآكِلُ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْحِيَلِ وَالِافْتِرَاءِ، أَوِ الْغَاصِبُ لِكُتُبِ الْعِلْمِ مِنْ أَرْبَابِهَا أَوِ الْمَسَاجِدِ، بِحَيْثُ تَصِيرُ مِلْكًا، أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْمُحَرَّمَاتِ، فَكُلُّ ذَلِكَ جَائِزٌ أَوْ وَاجِبٌ ذِكْرُهُ لِيُحْذَرَ ضَرَرُهُ، وَكَذَا يَجِبُ ذِكْرُ الْمُتَجَاهِرِ بِشَيْءٍ مِمَّا ذُكِرَ وَنَحْوِهِ مِنْ بَابٍ أَوْلَى، قَالَ شَيْخُنَا: وَيَتَأَكَّدُ الذِّكْرُ لِكُلِّ هَذَا فِي حَقِّ الْمُحَدِّثِ ; لِأَنَّ أَصْلَ وَضْعِ فَنِّهِ بَيَانُ الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ، فَمَنْ عَابَهُ بِذِكْرِهِ لَعَيْبِ الْمُجَاهِرِ بِالْفِسْقِ أَوِ الْمُتَّصِفِ بِشَيْءٍ مِمَّا ذُكِرَ فَهُوَ جَاهِلٌ أَوْ مُلَبِّسٌ أَوْ مُشَارِكٌ لَهُ فِي صِفَتِهِ فَيُخْشَى أَنْ يَسْرِيَ إِلَيْهِ الْوَصْفُ.
نَعَمْ لَا يَجُوزُ التَّجْرِيحُ بِشَيْئَيْنِ إِذَا حَصَلَ بِوَاحِدٍ، فَقَدْ قَالَ الْعِزُّ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي قَوَاعِدِهِ: إِنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلشَّاهِدِ أَنْ يُجَرَّحَ بِذَنَبَيْنِ مَهْمَا أَمْكَنَ الِاكْتِفَاءُ بِأَحَدِهِمَا ; فَإِنَّ الْقَدْحَ إِنَّمَا يَجُوزُ لِلضَّرُورَةِ فَلْيُقَدَّرْ بِقَدْرِهَا، وَوَافَقَهُ عَلَيْهِ الْقِرَافِيُّ، وَهُوَ ظَاهِرٌ. وَقَدْ قَسَّمَ الذَّهَبِيُّ مَنْ تَكَلَّمَ فِي الرِّجَالِ أَقْسَامًا، فَقِسْمٌ تَكَلَّمُوا فِي سَائِرِ الرُّوَاةِ ; كَابْنِ مَعِينٍ وَأَبِي حَاتِمٍ، وَقِسْمٌ تَكَلَّمُوا فِي كَثِيرٍ مِنَ الرُّوَاةِ ; كَمَالِكٍ وَشُعْبَةَ، وَقِسْمٌ تَكَلَّمُوا فِي الرَّجُلِ بَعْدَ الرَّجُلِ ; كَابْنِ عُيَيْنَةَ وَالشَّافِعِيِّ، قَالَ: وَهُمُ الْكُلُّ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ أَيْضًا: قِسْمٌ مِنْهُمْ مُتَعَنِّتٌ فِي التَّوْثِيقِ، مُتَثَبِّتٌ فِي التَّعْدِيلِ يَغْمِزُ الرَّاوِيَ بِالْغَلْطَتَيْنِ وَالثَّلَاثِ، فَهَذَا إِذَا وَثَّقَ شَخْصًا فَعَضَّ عَلَى قَوْلِهِ بِنَوَاجِذِكَ، وَتَمَسَّكْ

الصفحة 359