كتاب فتح المغيث بشرح ألفية الحديث (اسم الجزء: 4)

(وَ) كَذَا مِنَ الْمُخْتَلِطِينَ (عَارِمٌ) بِمُهْمَلَتَيْنِ، ثَانِيهِمَا مَكْسُورَةٌ، بَيْنَهُمَا أَلْفٌ وَآخِرَهُ مِيمٌ، لَقَبٌ لِأَحَدِ الثِّقَاتِ الْأَثْبَاتِ، وَاسْمُهُ (مُحَمَّدٌ) هُوَ ابْنُ الْفَضْلِ، وَيُكَنَّى أَبَا النُّعْمَانِ السَّدُوسِيَّ الْبَصْرِيَّ، فَقَدْ قَالَ الْبُخَارِيُّ: إِنَّهُ تَغَيَّرَ فِي آخِرِ عُمْرِهِ. وَنَحْوُهُ قَوْلُ أَبِي دَاوُدَ: إِنَّهُ قَدْ زَالَ عَقْلُهُ. وَقَالَ النَّسَائِيُّ: كَانَ أَحَدَ الثِّقَاتِ قَبْلَ أَنْ يَخْتَلِطَ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: اخْتَلَطَ فِي آخِرِ عُمُرِهِ وَزَالَ عَقْلُهُ، فَمَنْ سَمِعَ مِنْهُ قَبْلَ الِاخْتِلَاطِ فَسَمَاعُهُ صَحِيحٌ وَقَدْ كَتَبْتُ عَنْهُ قَبْلَهُ سَنَةَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ، وَلَمْ أَسْمَعْ مِنْهُ بَعْدَهُ، وَمَنْ سَمِعَ مِنْهُ قَبْلَ سَنَةِ عِشْرِينَ فَسَمَاعُهُ جَيِّدٌ، وَأَبُو زُرْعَةَ لَقِيَهُ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِينَ. وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: إِنَّهُ اخْتَلَطَ فِي آخِرِ عُمُرِهِ وَتَغَيَّرَ حَتَّى كَانَ لَا يَدْرِي مَا يُحَدِّثُ بِهِ، فَوَقَعَ فِي حَدِيثِهِ الْمَنَاكِيرُ الْكَثِيرَةُ، فَيَجِبُ التَّنَكُّبُ عَنْ حَدِيثِهِ فِيمَا رَوَاهُ الْمُتَأَخِّرُونَ، فَإِذَا لَمْ يُعْلَمْ هَذَا مِنْ هَذَا، تُرِكَ الْكُلُّ، وَأَنْكَرَ الذَّهَبِيُّ قَوْلَهُ، وَوَصَفَهُ بِالتَّخْسِيفِ وَالتَّهْوِيرِ، وَقَالَ: إِنَّهُ لَمْ يَقْدِرْ أَنْ يَسُوقَ لَهُ حَدِيثًا مُنْكَرًا، وَالْقَوْلُ مَا قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: إِنَّهُ تَغَيَّرَ بِأَخَرَةٍ، وَمَا ظَهَرَ لَهُ بَعْدَ اخْتِلَاطِهِ حَدِيثٌ مُنْكَرٌ، وَهُوَ ثِقَةٌ، ثُمَّ إِنَّ قَوْلَ أَبِي حَاتِمٍ الْمَاضِي يُخَالِفُهُ قَوْلُ الْحُسَيْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الذَّارِعِ، عَنْ أَبِي دَاوُدَ: بَلَغَنَا أَنَّهُ أَنْكَرَ سَنَةَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ ثُمَّ رَاجَعَهُ عَقْلُهُ وَاسْتَحْكَمَ بِهِ الِاخْتِلَاطُ سَنَةَ سِتَّ عَشْرَةَ، وَنَحْوُهُ قَوْلُ الْعُقَيْلِيِّ: إِنَّ سَمَاعَ عَلِيٍّ الْبَغَوِيِّ مِنْهُ سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ يَعْنِي بَعْدَ اخْتِلَاطِهِ.
وَمِمَّنْ سَمِعَ مِنْهُ قَبْلَ الِاخْتِلَاطِ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُسْنَدِيُّ وَأَبُو عَلِيٍّ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ خَالِدٍ الزُّرَيْقِيُّ ; فَإِنَّهُ قَالَ: حَدَّثَنَا قَبْلَ أَنْ يَخْتَلِطَ. وَأَبُو حَاتِمٍ مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ الرَّازِيُّ كَمَا تَقَدَّمَ، وَالْبُخَارِيُّ ; فَإِنَّهُ إِنَّمَا سَمِعَ مِنْهُ فِي سَنَةِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ قَبْلَ اخْتِلَاطِهِ بِمُدَّةٍ ; وَلِذَا اعْتَمَدَهُ فِي عِدَّةِ أَحَادِيثَ، بَلْ رَوَى لَهُ أَيْضًا بِوَاسِطَةِ الْمُسْنَدِيِّ فَقَطْ، وَمُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ ; فَإِنَّهُ قَالَ: ثَنَا عَارِمٌ، وَكَانَ بَعِيدًا مِنَ الْعَرَامَةِ صَحِيحَ الْكِتَابِ وَكَانَ ثِقَةً. وَمُحَمَّدُ بْنُ يُونُسَ الْكُدَيْمِيُّ كَمَا قَالَهُ الْخَطِيبُ، وَقَدْ قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: مَا رَوَاهُ عَنْهُ الْبُخَارِيُّ وَالذُّهْلِيُّ وَغَيْرُهُمَا مِنَ الْحُفَّاظِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَأْخُوذًا عَنْهُ قَبْلَ اخْتِلَاطِهِ.
وَمِمَّنْ سَمِعَ مِنْهُ بَعْدَهُ أَبُو زُرْعَةَ الرَّازِيُّ وَعَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغْوِيُّ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْهُمَا، وَحَدِيثُهُ عِنْدَ مُسْلِمٍ أَيْضًا بِوَاسِطَةِ أَحْمَدَ بْنِ سَعِيدٍ الدَّارِمِيِّ وَحَجَّاجٍ الشَّاعِرِ

الصفحة 375