كتاب فتح المغيث بشرح ألفية الحديث (اسم الجزء: 4)

الْحَلَبِيَّ عَرَضَ لَهُ الْفَالِجُ، فَأُنْسِيَ كُلَّ شَيْءٍ حَتَّى الْفَاتِحَةَ ثُمَّ عُوفِيَ، وَكَانَ يَحْكِي عَنْ نَفْسِهِ أَنَّهُ صَارَ يَتَرَاجَعُ إِلَيْهِ مَحْفُوظُهُ كَالطِّفْلِ شَيْئًا فَشَيْئًا.
وَأَعْجَبُ مِنْ هَذَا مَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ أَنَّ إِبْرَاهِيمَ بْنَ مُحَمَّدٍ الْحَضْرَمِيَّ الْمَعْرُوفَ بِابْنِ الشَّرَفِيِّ، وَالْمُتَوَفَّى سَنَةَ سِتٍّ وَتِسْعِينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ، كَانَ قَدْ حَصَلَ لَهُ قَبْلَ مَوْتِهِ بِثَلَاثِينَ شَهْرًا فَالِجٌ، فَلَمْ يَكُنْ يَنْطِقُ بِغَيْرِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَلَا يَكْتُبُ غَيْرَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، فَكَانَ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَنَحْوُهُ مَا قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الصَّائِغُ: كَانَ أَحْمَدُ بْنُ عُمَيْرٍ الْوَادِي - يَعْنِي شَيْخَهُ - يُحَدِّثُ عَنْ عَمْرِو بْنِ حَكَّامٍ وَالنَّضْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، فَانْهَدَمَتْ دَارُهُ وَتَقَطَّعَتِ الْكُتُبُ، فَاخْتَلَطَ عَلَيْهِ حَدِيثُ عَمْرٍو فِي حَدِيثِ النَّضْرِ ; لِأَنَّهُمَا جَمِيعًا يُحَدِّثَانِ عَنْ شُعْبَةَ، وَلَيْسَ مُرَادُهُ الِاخْتِلَاطَ الْمَذْكُورَ وَإِنْ قَالَ شَيْخُنَا: إِنَّهُ يُلْحَقُ فِي الْمُخْتَلِطِينَ.
وَقَدْ يَتَغَيَّرُ الْحَافِظُ لِكِبَرِهِ، وَيَكُونُ مَقْبُولًا فِي بَعْضِ شُيُوخِهِ ; لِكَثْرَةِ مُلَازَمَتِهِ لَهُ وَطُولِ صُحْبَتِهِ إِيَّاهُ بِحَيْثُ يَصِيرُ حَدِيثُهُ عَلَى ذِكْرِهِ وَحِفْظِهِ بَعْدَ الِاخْتِلَاطِ وَالتَّغَيُّرِ، كَمَا كَانَ قَبْلَهُ ; كَحَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ أَحَدِ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ فِي ثَابِتِ الْبُنَانِيِّ ; وَلِذَا خَرَّجَ لَهُ مُسْلِمٌ - كَمَا قَدَّمْتُهُ - فِي مَرَاتِبِ الصَّحِيحِ، عَلَى أَنَّ الْبَيْهَقِيَّ قَالَ: إِنَّ مُسْلِمًا اجْتَهَدَ وَأَخْرَجَ مِنْ حَدِيثِهِ عَنْ ثَابِتٍ بِخُصُوصِهِ مَا سَمِعَ مِنْهُ قَبْلَ تَغَيُّرِهِ. فَاللَّهُ أَعْلَمُ.

[طَبَقَاتُ الرُّوَاةِ]
ِ
992 - وَلِلرُّوَاةِ طَبَقَاتٌ تُعْرَفُ ... بِالسِّنِّ وَالْأَخْذِ وَكَمْ مُصَنِّفُ
993 - يَغْلَطُ فِيهَا وَابْنُ سَعْدٍ صَنَّفَا ... فِيهَا وَلَكِنْ كَمْ رَوَى عَنْ ضُعَفَا
(طَبَقَاتُ الرُّوَاةِ) وَهُوَ مِنَ الْمُهِمَّاتِ، وَفَائِدَتُهُ الْأَمْنُ مِنْ تَدَاخُلِ الْمُشْتَبِهِينَ

الصفحة 388