كتاب السيرة النبوية كما جاءت في الأحاديث الصحيحة (اسم الجزء: 4)
نعي مبكر
للنبي - صلى الله عليه وسلم - في حوار جرى بين عمر رضي الله عنه وبين أشياخ بدر بحضور ابن عباس الذي يقول إن عمر قال: "ما تقولون في {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا (2)} حتى ختم السورة فقال بعضهم: أمرنا أن نحمد الله ونستغفره إذا نصرنا وفتح علينا .. وقال بعضهم: لا ندري أو لم يقل بعضهم شيئًا فقال لي: يا بن عباس أكذاك تقول؟ قلت: لا. قال: فما تقول؟ قلت: هو أجل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أعلمه الله له إذا جاء نصر الله والفتح فتح مكة فذاك علامة أجلك فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابًا قال عمر: ما أعلم منها إلا ما تعلم" (¬1).
إذًا فقد اقترب أجله عليه السلام ولذلك راجع معه جبريل القرآن مرتين هذا العام .. ومع شعور النبي - صلى الله عليه وسلم - بذلك إلا أنه لم يكن ليغفل عن أمر دعوته حتى في آخر ساعاته لينشغل بنفسه .. لقد كان ينظر إلى ما بعد الموت فالموت مرحلة لا أكثر في حياة المسلم .. لقد استدعى - صلى الله عليه وسلم - أسامة بن زيد وأمره على جيش وأمره بالتوجه نحو الشام .. ولما أحس من بعض الرجال نوعًا من التبرم بإمارة أسامة الأسمر: "فقالوا فيه فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: قد بلغني أنكم قلتم في أسامة وإنه أحب الناس إلي" (¬2) "إن تطعنوا في إمارته فقد كنتم تطعنون في إمارة أبيه من قبله .. وأيم الله إن كان لخليقًا للإمرة .. وإن كان لمن أحب الناس إلي .. وإن هذا لمن أحب الناس إلي بعده" (¬3) كان وداعًا لأسامة وللدنيا واقتراب الوداع مرير فهل ستحتمله القلوب ..
¬__________
(¬1) صحيح البخاري 4 - 1563.
(¬2) صحيح البخاري 4 - 1620.
(¬3) صحيح البخاري 6 - 2628.
الصفحة 283
328