كتاب دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين (اسم الجزء: 7-8)

فَقال عُمَرُ - رضي الله عنه -: كَيْفَ تُقَاتِلُ النَّاسَ وَقَدْ قَالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "أُمِرْتُ أنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولوُا لاَ إلهَ إِلاَّ اللهُ، فَمَنْ قَالَهَا فَقَدْ عَصَمَ مِنِّي مَالَهُ وَنَفْسَهُ إِلاَّ بِحَقِّهِ، وَحِسَابُهُ عَلَى الله" فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَاللهِ لأُقَاتِلَنَّ مَنْ فَرَّقَ بين الصَّلاَةِ وَالزَّكَاةِ، فَإنَّ الزَّكَاةَ حَقُّ المَالِ. وَاللهِ لَوْ مَنَعُونِي عِقَالاً كَانُوا يُؤدُّونَهُ إِلَى رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَى مَنْعِهِ. قَالَ عُمَرُ - رضي الله عنه -: فَوَاللهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بأمور الدين، فدخلتهم الشبهة فغدروا، فسموا بذلك بغاة، وذلك لأن المناظرة بين الصحابة إنما هي في قتال مانعي الزكاة (فقال عمر رضي الله عنه: كيف تقاتل الناس) بالفوقية إنكار على أبي بكر أمره به أو بالنون أي نتلبس به، والفاء عاطفة على محذوف دل عليه السياق، أي: فأراد أبو بكر قتالهم وأمر به فقال عمر: إلخ (وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله) أي: مع قرينتها وهي محمد رسول الله، وظاهر هذه الرواية الاكتفاء في رفع القتال بقول لا إله إلا الله محمد رسول الله، وإن لم يأت قبله بقوله أشهد، والرواية قبله تقتضي اعتبار ذلك، والصحيح الاكتفاء به من غير لفظ أشهد. (فمن قالها فقد عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه) عمومه متناول الصادق في إيمانه والمنافق فيه فذلك منه عاصم لهما منه، ويدل له قوله (وحسابه على الله) أي: فإن كان صادقاً نفعه في الآخرة، وإلا فلا، وهذا من سند الصديق، فإن من حق المال الزكاة، فلا تعصم الشهادة من أخذها (فقال:) أي: أبو بكر رضي الله عنه (والله لأقاتلن من فرق) بالتشديد والتخفيف (بين الصلاة والزكاة) أي: بأن قال إحداهما واجبة دون الأخرى، أو امتنع من إحداهما (فإن الزكاة حق المال) أي: والشهادتان لا يعصمان من أخذه من المال (¬1) ، فهي داخلة في قوله - صلى الله عليه وسلم - إلا بحقه (والله لو منعوني عقالاً) بكسر المهملة وبالقاف. قال في النهاية: أراد به الحبل الذي يعقل به البعير الذي كان يؤخذ في الصدقة؛ لأن على صاحبها التسليم، وإنما يقع القبض بالرباط، وقيل: أراد ما يساوي عقالاً من حقوق الصدقة، وقيل: إذا أخذ المصدق أعيان الإِبل قيل أخذ عقالاً، وإذا أخذ أثمانها قيل أخذ نقداً وقيل: أراد بالعقال صدقة العام، يقال أخذ المصدق عقال هذا العام إذا أخذ منهم صدقته، واختاره أبو عبيد. وقال: هو أشبه عندي بالمعنى، وقال الخطابي: إنما يضرب المثل في هذا بالأقل إلا بالأكثر وليس بسائر في لسانهم أن العقال صدقة عام، وفي أكثر الروايات عناقاً، وفي أخرى جدياً. اهـ (كانوا يؤدونه) أي: يدفعونه (إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لقاتلتهم على منعه) أي: لأجل منعهم إياه (قال
¬__________
(¬1) أي من أخذ حق المال من المال.

الصفحة 12