كتاب دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين (اسم الجزء: 7-8)

مِنْ نَارٍ، فَأُحْمِيَ عَلَيْهَا في نَارِ جَهَنَّمَ، فَيُكْوَى بِهَا جَنْبُهُ، وَجَبِينُهُ، وَظَهْرُهُ، كُلَّمَا بَرَدَتْ أُعِيدَتْ لَهُ في يَومٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ ألْفَ سَنَةٍ، حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ العِبَادِ فَيَرَى سَبيلَهُ، إمَّا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
والصفائح ما طبع من الحديد وغيره عريضاً (من نار (¬1) فاحمى عليها في نار جهنم) بيان لمعنى كونها من نار لأن حقيقتها من غيرها، لكن لهذا الإِحماء الذي يصيرها كالنار في رأي العين سميت ناراً، والآية (يوم يحمى عليها في نار جهنم) (¬2) إلخ ظاهرة في هذا، وذكر أحمى هنا ويحمي في الآية؛ لإِسناده إلى الظرف، والأصل أحميت النار عليها أي: صارت ذات توقد وحر شديد، ثم حول الإِسناد إلى الظرف مبالغة؛ لأن كونها يحمى عليها أبلغ من كونها محماة؛ لإِشعار الأول بمزيد علاج واعتناء أتم، ومن ثم كان المراد أن تلك الصفائح تعاد إلى النار عوداً متكرراً إلى أن تبلغ في مزيد حرها ولهبها واشتداد إحراقها الغاية، وإنما كان الأصل ذلك لأنه لا يقال أحميت على الحديد بل أحميت الحديد وحميته (¬3) كذا في فتح الإله، وبه يندفع منع التوربشتي من جهة الدراية لا من جهة الرواية لرفع الصفائح، زاعماً تعين نصبها؛ لأن على الرفع يتعين كون من نار لبيان الجنس ولا يستقيم، وذلك لأن الأموال هي التي جعلت صفائح ليعذب بها صاحبها، ولو كانت الصفائح متخذة من نار لم يكن لقوله (يحمى عليها) وجه، ووجه الاندفاع أنه لا منافاة بين كون التعذيب بنفس الأموال، وبين كونها من النار؛ لأن الأول حقيقة والثاني مجاز؛ لأنه لشدة التهابها بالنار صارت كأنها عينها، وقوله ثم يكن لقوله (يحمى عليها) وجه ممنوع، بل له وجه وهو المبالغة في ذلك العذاب والله أعلم بالصواب. (فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره) خصت هذه الثلاثة؛ لأن إمساك المال عن أداء الواجب لأجل الوجاهة وملء البطن من الأطعمة وستر الظهر باللباس، أو لأنه أعرض بوجهه عن الفقير، وأزور عنه بجانبه وولاه ظهره؛ أو لأنها أشرف الأعضاء الظاهرة؛ لاشتمالها على الأعضاء الرئيسية الدماغ والقلب والكبد، أو المراد منها جهات البدن الأربع أمامه ووراءه ويمينه ويساره (كلما بردت) عن الحمو ردت إلى النار لزيادة حموها وشدتها (أعيدت له) أحر وأشد مما كانت. قال القرطبي: معناه دوام التعذيب واستمرار شدة الحرارة في تلك الصفائح، كاستمرارها في حديدة محماة ترد إلى الكير وتخرج منها ساعة فساعة (في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة) على الكافرين ونحوهم من الفسقة المتمردين المانعين حق الله تعالى وحق عباده، أما المؤمنون فهو على بعضهم كركعتي الفجر، وعلى
¬__________
(¬1) قوله من نار من لابتداء الغاية وكأنها لشدة كونها محماة في نار جهنم جعلت كأنها مأخوذة من نار.
(¬2) سورة التوبة، الآية: 35.
(¬3) في الصحاح أحميت الحديد في النار ولا يقال حميته. ع.

الصفحة 16