كتاب دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين (اسم الجزء: 7-8)

عَلَيْهِ، وهذا لفظ روايةِ البُخَارِي.
وفي روايةٍ لَهُ: "يَتْرُكُ طَعَامَهُ، وَشَرَابَهُ، وَشَهْوَتَهُ مِنْ أجْلِي، الصِّيَامُ لي وَأنَا أجْزِي بِهِ، وَالحَسَنَةُ بِعَشْرِ أمْثَالِهَا".
وفي رواية لمسلم: "كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يضاعَفُ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قريب من الأول، وقيل: إن المراد أن الله يجزيه في الآخرة، فتكون نكهته فيها أطيب من ريح المسك، كما يأتي الكلوم وريح جرحه يفوح مسكاً، وقيل: المراد أن صاحبه ينال من الثواب ما هو أفضل من ريح المسك، لا سيما بالإِضافة إلى الخلوف، حكاهما عياض، وقال الداودي وجماعة: المراد أن الخلوف أكثر ثواباً من المسك المندوب إليه في الجمع ومجالس الذكر، ورجح المصنف هذا، وحاصله حمل معنى الطيب؛ لاستحالة قيام حقيقته بذاته تعالى على القبول والرضى، وقد نقل القاضي حسين في تعليقه أن للطاعات يوم القيامة ريحاً يفوح، فرائحة الصوم بين العبادات المسك، وقال البيضاوي: هو تفضيل لما يستكره من الصائم على أطيب ما يستلذ من جنسه، وهو المسك ليقاس به ما فوقه من آثار الصوم، وقيل: إنه من مجاز الحذف أي: عند ملائكة الله أي: إنهم يستطيبون ريح الخلوف أكثر مما يستطيبون ريح المسك (للصائم فرحتان يفرحهما) فيه توسع بحذف الجار والأصل يفرح بهما، كما في قوله تعالى: (فليصمه) (¬1) أي: فليصم فيه، أو هو مفعول مطلق أي: يفرح الفرحتين، فجعل الضمير بدله، نحو عبد الله أظنه منطلقاً (إذا أفطر فرح بفطره) أي: لإتمام الصوم، وخلوه من المفسدات، أو لتناوله الطعام (وإذا لقي ربه فرح بصومه) أي: بلقاء ربه، أو برؤية ثوابه، وعلى الاحتمالين فهو مسرور بقبول صومه (متفق عليه) أخرجاه في الصوم، وكذا رواه فيه النسائي في سننه. (وهذا) أي: اللفظ المذكور (لفظ رواية البخاري) في باب هل يقول: إني صائم إذا شتم؟ (وفي رواية له) أي: للبخاري في باب فضل الصوم، من حديث أبي هريرة مرفوعاً لفظاً قدسياً معنى لقوله (يترك طعامه وشرابه وشهوته) من الجماع، ومقدماته (من أجلي) من فيه تعليلية (الصيام لي) أي: لم يتعبد به لأحد غيري، وإن كانت العبادات كلها لله تعالى، وكان الكفار يعظمون معبوداتهم بسجود وصدقة، أما بالصيام فلا. (وأنا أجزي به) بفتح الهمزة أي: أتولى جزاءه، وذلك دال على شرفه، وعظم جزائه (والحسنة بعشر أمثالها) هو أقل مراتب التضعيف (وفي رواية لمسلم) لهذا الحديث، عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو باعتبار أوله حديث مرفوع لا قدسي (كل عمل ابن آدم يضاعف) ظاهره أن نفس العمل يضاعف، ويؤيده قوله (وإن تك حسنة
¬__________
(¬1) سورة البقرة، الآية: 185.

الصفحة 25