كتاب المهيأ في كشف أسرار الموطأ (اسم الجزء: 4)

عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو مسند ظهره إلى الكعبة، جملة معترضة من أخذ ضالة فهو ضال أي: عن طريق الصواب أو آثم أو ضامن إن هلكت عنده، عبر بها عن الضمان بالمشاكلة وذلك أنه إذا التقطها فلم يعرفها فقد أضر بصاحبها وصار سببًا في تضليله عنها فكان مخطئًا ضالًا عن الحق، وأصل هذا حديث مرفوع أخرجه أحمد ومسلم والنسائي عن زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من أوى ضالة فهو ضال ما لم يعرفها" (¬1) فقيد الضال بعدم التعريف، فلا حجة لمن كره اللقطة مطلقًا في أثر عمر هذا ولا في قوله - صلى الله عليه وسلم -: "حرق النار" أخرجه النسائي بإسناد صحيح عن الجارود العبيدي؛ لأن الجمهور حملوها على من لم يعرفها جمعًا بين الحديثين وحرق بفتح الحاء والراء وقد تسكن أي: تؤدي أخذها للتملك فهو تشبيه بليغ بحذف أداة التشبيه للمبالغة كذا قاله الفاضل الزرقاني (¬2).
قال محمد: وبهذا نأخذ، أي: لا نعمل إلا بما رواه سعيد بن المسيب عن عمر بن الخطاب وإنا يَعني أي: يريد عمر بن الخطاب ذلك: أي: يكون أخذ ضالًا من أخذها لِيَذْهَبَ بها، أي: لنفسه لردها إلى صاحبها فأما من أخذها ليردّها وليعرّفها، فهذا لا بأس به أي: فلا ضلالة له.
والحاصل أن اللقطة أمانة إذا شهد على أخذ ليردها على صاحبها لما روى إسحاق بن راهويه في (مسنده) عن عياض بن حمار أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من أصاب لقطة فليشهد ذا عدل ثم لا يكتم" وأما لم يشهد وأدى أنه أخذها للرد ضُمِّنَ عند أبي حنيفة ومحمد أن حجة المالك أخذ للرد.
وقال أبو يوسف: لا يضمن لأن صاحبها يدعي بسبب الضمان وهو ينكر فكان القول قوله كما في الغضب، وهو قول مالك والشافعي وأحمد؛ لأن الإِشهاد غير واجب عندهم بل مستحب هذا وإن بين مدعي اللقطة علامتها حل الدفع ولا يجب بلا حجة وهو قول الشافعي، وقال مالك وأحمد وأبو داود وابن المنذر: يجب الدفع بالعلامة لقوله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث السابق فإن جاء أحد يجزك بعددها وعائها ووكائها فأعطه إياها.
¬__________
(¬1) أخرجه مسلم (1725) وأحمد (16607) ومالك (1487).
(¬2) انظر: "شرح الزرقاني" (4/ 68).

الصفحة 164