كتاب المهيأ في كشف أسرار الموطأ (اسم الجزء: 4)

أهل المدينة، مات سنة اثنين وثلاثين ومائة أن أباه أي: أبا بكر محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري المدني ثقة، كان في الطبقة الخامسة من طبقات التابعين من أهل المدينة، مات سنة عشرين ومائة أخبره، عن عمرة بنت عبد الرحمن، عن عائشة رضي الله عنها زوج النبي - صلى الله عليه وسلم -، أنها قالت: ما رأيتُ أي: شيئًا مكروهًا مثل ما رَغِبَتْ هذه الأمة عنه، من هذه الآية: والمعنى أنهم تركوا القيام بها والعمل بمقتضاها وتهاونوا في أمرها، وهذه الآية في سورة الحجرات {وَإِنْ طَائِفَتَانِ} نزلت حين ركب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حمارًا وأتى إلى الأنصار ليكلمهم في أمر من أمور الدنيا، فكلمهم فبال الحمار، فقال عبد الله بن أبي المنافق: إليك عني فقد آذاني نتن حمارك فقال بعض الأنصار وهو ابن رواحة: والله لبول حمار النبي - صلى الله عليه وسلم - أطيب ريحًا منك، فاقتتل قوم ابن رواحة، وهم الأوس وقوم عبد الله بن أبي وهم الخزرج بالأيدي والنعال وأغصان النخل فقال تعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ} أي: اقتتل طائفتان {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} حذف الفعل من أن الشرطية بدلالة {اقْتَتَلُوا} عليه وجمع نظر إلى المعنى؛ لأن كل طائفة جماعة وثنى في قوله: {فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} نظرًا إلى اللفظ، فكره بعضهم الصلح فنزلت {فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا} أي: ظلمت إحدى الطائفتين واستطالت {عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا} أي: الطائفة {الَّتِي تَبْغِي} أي: تظلم {حَتَّى تَفِيءَ} أي: ترجع (ق 999) {إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} أي: إلى الصلح {فَإِنْ فَاءَتْ} أي: رجعت عن البغي {فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} بالعدل أي: بالإِنصاف في الحكم بين الفريقين ولا تميلوا عن الحق، فإنما قرن العدل بالإِصلاح الثاني دون الأول؛ لأن العدل في ضمن الجنايات والمتلفات لا في سلب الضغائن، فالمراد بالأول إصلاح ذات البين من الاقتتال وتسكين الحقد والغضب ونفي الشبهة فقط، إلا إذا أصرتا فحينئذ تجب المقاتلة، ولا يتجه الضمان، والمراد بالثاني هو الإِصلاح من البغي والتعدي، فالضمان يتجه فيه بطريق العدل كذا في (عيون التفاسير).
وروى أن عليًا رضي الله عنه سئل، وهو القدوة في قتال أهل البغي عن أهل الجمل وصفين أمشركون هم فقال: لا من الشرك فروا، فقيل: أمنافقون هم؟ فقال: لا؛ لأن المنافقين لا يذكرون الله إلا قليلًا، قيل: مما حالهم قال: إخواننا بغوا علينا، والباغي هو الخارج على إمام العدل.
* * *

الصفحة 370