كتاب المهيأ في كشف أسرار الموطأ (اسم الجزء: 4)

• أخبرنا مالك، وفي نسخة: محمد قال: ثنا، وفي أخرى: محمد قال: بنا مالك أخبرنا ابن شهاب، أي: محمد بن مسلم بن شهاب بن زهرة بن كلاب، كان ثقة فقيهًا، وكان في الطبقة الرابعة من طبقات التابعين المحدثين من أهل المدينة مات بعد المائة، كذا قاله أبو الفرج عبد الرحمن بن الجوزي الحنبلي عن سعيد بن المسيَّب، قد سبق طبقته آنفًا أنه كان يقول: لا ربا في الحيوان، بفتح المهملة وسكون التحتية، وهو أعم من الإِنسان مما بيع اللحم بالحيوان من غيره ومن جنسه إلا إذا كان اللحم أكثر مما في الحيوان، ليكون اللحم مقابل اللحم والزائد مقابلًا للسقط؛ لأنه لو لم يكن كذلك لتحقق الربا من حيث زيادة السقط ومن حيث زيادة اللحم.
وقال مالك وأحمد والشافعي: لا يجوز بجنسه أصلًا، ومذهب مالك وأحمد: يجوز بغير جنسه، والأصح في مذهب الشافعي أنه يجوز بغير جنسه، لعموم النهي فيما روى مالك في (الموطأ) وأبو داود والحاكم في (المراسيل) عن سعيد بن المسيب، عن عبد الله بن عمر، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: نهى عن بيع الحيوان (¬1)، وهو مع قوله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الآخر: "إذا اختلفت الأنواع فبيعوا كيف شئتم" دليل مالك وأحمد، ولأبي حنيفة أنه بيع موزون بغير موزون، فيصح كيف ما كان، كما لو باع الثوب بالقطن، وهذا لأن الحيوان ليس بموزون، بل هو عددي متفاوت؛ لأن الموزون ما يعرف بالوزن والحيوان لا يعرف به، والمراد بالنهي في حديث سعيد بن المسيب ما إذا كان أحدهما نسيئة، وإنما لم يجز إذا كان أحدهما نسيئة؛ لأن (ق 811) المتأخر منهما لا يمكن ضبطه، ويؤيده ما رواه أحمد والنسائي عن سمرة بن جندب أنه - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيع الحيوان نسيئة (¬2)، فحينئذ لا تناقض بين روايتي ابن المسيب، ويؤيده قوله: وإنما نهى من الحيوان عن ثلاث: أي: صور عن المضامين، جمع مضمون يقال: ضمن الشيء بمعنى يضمنه، ومنه قولهم: مضمون الكتاب كذا وكذا والملاقيح، على وزن المفاتيح جمع ملقوح وحَبَل الحَبَلة بفتح الحاء المهملة فيها وروى سكون الموحدة في الأولى.
¬__________
(¬1) أخرجه من طريق مالك الشافعي في المسند (2/ 145)، والبيهقي في السنن (5/ 297)، وفي معرفة السنن والآثار (8/ 11139)، وهو في الموطأ برواية أبي مصعب (2613)، وبرواية محمد بن الحسن (783).
(¬2) أخرجه أحمد في المسند (3/ 310)، والنسائي (7/ 292).

الصفحة 38