كتاب المهيأ في كشف أسرار الموطأ (اسم الجزء: 4)

فإن رضيت فاسكت فإن سخطت فاردد بقي حتى أدرك (ق 822) زمن عثمان، وهو ابن مائة وثمانين سنة فكثر الناس في زمن عثمان فكانا إذا اشترى شيئًا فقيل له: إنك غبت فيه رجع، فيشهد له رجل من الصحابة بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - جعله بالخيار ثلاثًا فيرد له دراهمه، وروى الترمذي عن أنس أن رجلًا كان في عقله ضعف، وكان يبايع وكان أهله أتوا النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: احجر عليه فدعاه فنهاه فقال: يا رسول الله لا أصبر على البيع فقال: "إذا بايعت فقل: لا خلابة وأنت في كل سلعة ابتعتها بالخيار ثلاث ليال"، كذا قاله الفاضل السيد محمد الزرقاني (¬1).
قيل: أفاد الحديث لا خلابة لفظ وضع شرعًا لاشتراط ثلاثة أيام، فإذا قال أحدهما فأقره الآخر وعلما معناه الشرعي خُيِّرا ثلاثة أيام، قال: وزعم أنه خاص لمن خاطبه - صلى الله عليه وسلم - ليس ذلك، إذ لا بد للخصوصية من الدليل هنالك.
قال محمد: نري أي: نختار أن هذا كان لذلك الرجل خاصة.
قال النووي: واختلف العلماء في هذا الحديث، فجعله بعضهم خاصًا في حقه، فإنه لا خيار بغبن لغيره، وعليه أبو حنيفة والشافعي، وقيل: للمغبون الخيار هذا الحديث بشرط أن يبلغ الغبن بثلث القيمة، كذا قاله علي القاري.
وقد استدل أحمد والبغداديون في ذلك المالكية على القيام بالغبن غير المعتاد وحدده بالثلث لا أقل؛ لأنه غبن يسير انتصب له التجار، فهو كالمدخول عليه وأبى ذلك الجمهور والأئمة الثلاثة، وقالوا: لا رد بالغبن ولو خالف العادة وتجازب الفريقان قوله تعالى في سورة النساء: {لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [النساء: 29] فقال: الأقل الغبن المخالف للعادة من ذلك، وقال الجمهور: قد استثنى من التجارة عن تراض، وهذا عن تراض، وكذا تجاذبون فهم الحديث فقال البغداديون وأحمد: فيه الخيار للمغبون، وقال الجمهور: هي واقعة عين وحكاية حال لا يصح دعوى العموم فيها على أنه لا يجعل الخيار إلا بشرط، فالحديث حجة لعدم القيام بالغبن، إذ لو كان ثابتًا لم يأمره بالشرط بأن يقول لا خلابة، كذا قاله الزرقاني.
* * *
¬__________
(¬1) في شرحه (3/ 433).

الصفحة 58