كتاب المهيأ في كشف أسرار الموطأ (اسم الجزء: 4)

المدرج أنواع: إما مدرج في أول الحديث من قول بعض رواته، إما الصحابي أو من بعده موصولًا بالحديث من غير فصل بين الحديث وبين ذلك الكلام بذكر قائله، فليس على من يعلم حقيقة ويتوهم أن الجميع مرفوع.
مثال المدرج في أوله: ما رواه شعبة عن محمد بن زياد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أسبغوا الوضوء ويلٌ للأعقاب من النار" فقوله: "أسبغوا الوضوء" من قول أبي هريرة وصل بالحديث في أوله كذلك رواه البخاري (¬1) في (صحيحه) عن آدم بن أبي إياس عن شعبة بن محمد بن زياد عن أبي هريرة قال: "أسبغوا الوضوء" فإن أبا القاسم - صلى الله عليه وسلم - قال: "ويل للأعقاب من النار".
ومثال المدرج في وسطه: ما رواه الدارقطني في سننه عن عبد الحميد بن جعفر عن هشام بن عروة عن أبيه عن بسرة بنت صفوان قالت: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من مس ذكره أو أنثييه أو رفغه فليتوضأ" فقوله: أنثييه والرفغين ليس من كلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وإنما هو من قول عروة بن الزبير، فأدرجه الراوي في متن الحديث، وقد بيَّن ذلك حماد وأيوب.
ومثال المدرج في آخره: ما رواه أبو داود عن عبد الله بن محمد النفيلي عن الزهري عن الحسن بن الحر عن القاسم بن مخيمرة قال: أخذ علقمة بيده فحدثني أن عبد الله بن مسعود أخذه بيده، وأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخذ بيد عبد الله بن مسعود فعلمنا التشهد في الصلاة، قال: فذكر مثل حديث الأعمش إذا قلت هذا أو قضيت هذا فقد قضيت صلاتك إن شئت أن تقوم فقم، وإن شئت أن تقعد فاقعد، فقوله: إذا قلت. . . إلى آخره وصله زهير بن معاوية أبو خيثمة بالحديث المرفوع في رواية أبي داود هذه.
قال الحاكم: قوله: إذا قلت هذا مدرج في الحديث من كلام عبد الله بن مسعود. كذا قاله في شرح الألفية للعراقي، وفائدة المدرج للإِيضاح أو نحوه فليراجع تفصيله في كتب الأصول، ولمسلم من طريق أبي الزبير المكي عن جابر قال: جعل الأنصار يعمرون المهاجرين فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أمسكوا عليكم أموالكم ولا تفسدها؛ فإنه من أعمر عمرى فهي للذي أعمرها حيًا وميتًا ولعقبه" وفيه صحة العمرى، وإليه ذهب الجمهور إلا ما حكى عن داود وطائفة لكن ابن حزم قال بصحتها وهو شيخ الظاهرية ثم الجمهور إنها
¬__________
(¬1) البخاري (1/ 73).

الصفحة 96