كتاب عمدة القاري شرح صحيح البخاري (اسم الجزء: 4)

ذكر لطائف إِسْنَاده فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين. وَفِيه: العنعنة فِي موضِعين، وَلَكِن فِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ: حَدثنِي جَعْفَر. وَفِيه: أَن نصف الْإِسْنَاد الأول مصريون، وَالنّصف الثَّانِي مدنيون. وَفِيه: عُمَيْر مولى ابْن عَبَّاس، كَذَا هَهُنَا، وَهُوَ مولى أم الْفضل بنت الْحَارِث وَالِدَة ابْن عَبَّاس، وَإِذا كَانَ مولى أم الْفضل فَهُوَ مولى أَوْلَادهَا. وَقد روى ابْن إِسْحَاق هَذَا الحَدِيث وَقَالَ: مولى عبيد ابْن عَبَّاس، وَقد روى مُوسَى بن عقبَة وَابْن لَهِيعَة وَأَبُو الْحُوَيْرِث هَذَا الحَدِيث عَن الْأَعْرَج عَن أبي الْجُهَيْم وَلم يذكرُوا بَينهَا عُمَيْرًا، وَالصَّوَاب إثْبَاته، وَلَيْسَ لَهُ فِي الصَّحِيح غير هَذَا الحَدِيث وَحَدِيث آخر عَن أم الْفضل. وَفِيه: رِوَايَة الْأَعْرَج عَنهُ رِوَايَة الأقران. وَفِيه: السماع وَالْقَوْل. وَفِيه: عبد ابْن يسَار، وَهُوَ أَخُو عَطاء بن يسَار التَّابِعِيّ الْمَشْهُور، وَوَقع عِنْد مُسلم فِي هَذَا الحَدِيث: عبد ابْن يسَار وَهُوَ وهم، وَلَيْسَ لَهُ فِي هَذَا الحَدِيث رِوَايَة، وَلِهَذَا لم يذكرهُ المصنفون فِي رجال الصَّحِيحَيْنِ.
ذكر من أخرجه غَيره: أخرجه مُسلم فِي الطَّهَارَة، وَقَالَ: روى اللَّيْث فَذكره. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن عبد الْملك بن شُعَيْب بن اللَّيْث عَن سعد عَن أَبِيه عَن جده. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن الرّبيع بن سُلَيْمَان عَن شُعَيْب بن اللَّيْث بِهِ، وَمُسلم ذكر هَذَا الحَدِيث منقعطاً وَهُوَ مَوْصُول على شَرطه، وَفِيه عبد الرَّحْمَن بن يسَار، وَهُوَ وهم، كَمَا ذَكرْنَاهُ، وَفِيه أَبُو الجهم مكبراً وَهُوَ أَبُو الْجُهَيْم مُصَغرًا، وروى الْبَغَوِيّ فِي (شرح السّنة) بِإِسْنَادِهِ من حَدِيث الشَّافِعِي عَن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد عَن أبي الْحُوَيْرِث عَن الْأَعْرَج عَن أبي جهيم بن الصمَّة. قَالَ: (مَرَرْت على النَّبِي وَهُوَ يَبُول فَسلمت عَلَيْهِ فَلم يرد عليَّ حَتَّى قَامَ إِلَى جِدَار فحته بعصاً كَانَت مَعَه، ثمَّ وضع يَده على الْجِدَار فَمسح وَجهه وذراعيه ثمَّ رد عَليّ) ، قَالَ: هَذَا حَدِيث حسن.
ذكر مَعْنَاهُ وَمَا ورد فِيهِ من الرِّوَايَات: قَوْله: (من نَحْو بِئْر جمل) ، أَي: من جِهَة الْموضع الَّذِي يعرف ببئر جمل، بِالْجِيم وَالْمِيم المفتوحتين. ويروى: (ببئر الْجمل) ، بِالْألف وَاللَّام، وَكَذَا فِي رِوَايَة النَّسَائِيّ، وَهُوَ مَوضِع بِقرب الْمَدِينَة فِيهِ مَال من أموالها. قَوْله: (فَلَقِيَهُ رجل) ، هُوَ أَبُو الْجُهَيْم الرَّاوِي، وَقد صرح بِهِ الشَّافِعِي فِي حَدِيثه الَّذِي ذَكرْنَاهُ الْآن. قَوْله: (فَلم يرد) ، يجوز فِي داله الحركات الثَّلَاث: الْكسر، لِأَنَّهُ الأَصْل؛ وَالْفَتْح، لِأَنَّهُ أخف؛ وَالضَّم لإتباع الرَّاء. قَوْله: (حَتَّى أقبل على الْجِدَار) الْألف وَاللَّام فِيهِ للْعهد الْخَارِجِي، أَي: جِدَار هُنَاكَ، والجدار كَانَ مُبَاحا فَلم يحْتَج إِلَى الْإِذْن فِي ذَلِك، أَو كَانَ مَمْلُوكا لغيره وَكَانَ رَاضِيا بِهِ. وَفِي رِوَايَة الطَّبَرَانِيّ فِي (الْأَوْسَط) : (حَتَّى إِذا كَانَ الرجل أَن يتَوَارَى فِي السِّكَّة ضرب بيدَيْهِ على الْحَائِط فَمسح ذِرَاعَيْهِ ثمَّ رد على الرجل السَّلَام، وَقَالَ: إِنَّه لم يَمْنعنِي أَن أرد عَلَيْك إلاَّ أَنِّي كنت على غير طهر) . وَعند أبي دَاوُد، من حَدِيث حَيْوَة عَن ابْن الْهَاد: أَن نَافِعًا حَدثهُ عَن ابْن عمر قَالَ: (أقبل رَسُول الله من الْغَائِط، فَلَقِيَهُ رجل عِنْد بِئْر جمل فَسلم عَلَيْهِ فَلم يرد عَلَيْهِ رَسُول الله حَتَّى أقبل على الْحَائِط فَوضع يَده عَلَيْهِ ثمَّ مسح وَجهه وَيَديه ثمَّ رد على الرجل السَّلَام) . وَعند الْبَزَّار بِسَنَد صَحِيح: (عَن نَافِع عَنهُ أَن رجلا مر على النَّبِي وَهُوَ يَبُول، فَسلم عَلَيْهِ الرجل فَرد عَلَيْهِ السَّلَام فَلَمَّا جاوزه ناداه عَلَيْهِ السَّلَام، فَقَالَ: (إِنَّمَا حَملَنِي على الرَّد عَلَيْك خشيَة أَن تذْهب فَتَقول: إِنِّي سلمت على النَّبِي فَلم يرد عَليّ، فَذا رَأَيْتنِي على هَذِه الْحَالة فَلَا تسلم عَليّ فَإنَّك إِن تفعل لَا أرد عَلَيْك) . وَعند الطَّبَرَانِيّ من حَدِيث الْبَراء بن عَازِب (أنهُ سلم على النَّبِي وَهُوَ يَبُول فَلم يرد عَلَيْهِ حَتَّى فرغ) ، وَعِنْده أَيْضا من حَدِيث جَابر بن سَمُرَة بِسَنَد فِيهِ ضعف، قَالَ: (سلمت على النَّبِي وَهُوَ يَبُول فَلم يرد عَليّ، ثمَّ دخل إِلَى بَيته فَتَوَضَّأ ثمَّ خرج فَقَالَ: (وَعَلَيْك السَّلَام) . وَعند الْحَاكِم من حغيث الْمُهَاجِرين قنقذ، قَالَ: (أتيت النَّبِي، وَهُوَ يتَوَضَّأ فَسلمت عَلَيْهِ فَلم يرد عَليّ، فَلَمَّا فرغ من وضوئِهِ قَالَ: (إِنَّه لم يَمْنعنِي أَن أرد عَلَيْك إلاَّ أَنِّي كنت على غير وضوء) . وَأخرجه الطَّحَاوِيّ أَيْضا، وَلَفظه: (إلاَّ أَنِّي كرهت أَن أذكر اإلاَّ على طَهَارَة) . وَأخرجه أَبُو دَاوُد وَلَفظه: (فَلم يرد حَتَّى تَوَضَّأ ثمَّ اعتذر إِلَيْهِ، قَالَ: (إِنِّي كرهت أَن أذكر اإلاَّ على طهر، أَو على طَهَارَة) . وَأخرجه النَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه وَأحمد وَالْبَيْهَقِيّ وَابْن حبَان وَالطَّبَرَانِيّ، وَزَاد: (فَقُمْت مهموماً، فَدَعَا بِوضُوء فَتَوَضَّأ ورد عَليّ، وَقَالَ: (إِنِّي كرهت أَن أذكر اعلى غير وضوءه) وَعند ابْن مَاجَه من حَدِيث أبي هُرَيْرَة: (مر رجل على النَّبِي، وَهُوَ يَبُول، فَسلم فَلم يرد عَلَيْهِ، فَلَمَّا فرغ ضرب بكفيه الأَرْض فَتَيَمم ثمَّ رد عَلَيْهِ السَّلَام) .

الصفحة 15