كتاب عمدة القاري شرح صحيح البخاري (اسم الجزء: 4)

(ذكر مَعْنَاهُ وَإِعْرَابه) قَوْله " فِي بعض أَسْفَاره " عينه مُسلم فِي رِوَايَته " غَزْوَة بواط " بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَتَخْفِيف الْوَاو وَبعد الْألف طاء مُهْملَة قَالَ الصغاني بواط جبال جُهَيْنَة من نَاحيَة ذِي خشب وَبَين بواط وَالْمَدينَة ثَلَاثَة برد أَو أَكثر وَقَالَ ابْن اسحق جَمِيع مَا غزا رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِنَفسِهِ الْكَرِيمَة سبع وَعِشْرُونَ غَزْوَة. ودان وَهِي غَزْوَة الْأَبْوَاء وغزوة بواط من نَاحيَة رضوى ثمَّ عد الْجَمِيع قَوْله " فَجئْت " أَي إِلَى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَوْله " لبَعض أَمْرِي " أَي لأجل بعض حوائجي وَالْأَمر هُوَ وَاحِد الْأُمُور لَا وَاحِد الْأَوَامِر قَوْله " يُصَلِّي " فِي مَحل النصب على أَنه مفعول ثَان لوجدت قَوْله " وعَلى ثوب وَاحِد " جملَة إسمية فِي مَحل النصب على الْحَال قَوْله " وَصليت إِلَى جَانِبه " كلمة إِلَى فِي الأَصْل للانتهاء فَالْمَعْنى صليت منتهيا إِلَى جَانِبه وَيجوز أَن تكون بِمَعْنى فِي لِأَن حُرُوف الْجَرّ يقوم بَعْضهَا مقَام بعض وَيجوز أَن يُقَال فِيهِ تضمين معنى الانضمام أَي صليت مُنْضَمًّا إِلَى جَانِبه قَوْله " فَلَمَّا انْصَرف " أَي من الصَّلَاة واستقبال الْقبْلَة قَوْله " فَقَالَ مَا السرى " بِضَم السِّين مَقْصُورا وَهُوَ السّير بِاللَّيْلِ وَهُوَ اسْتِفْهَام عَن سَبَب سراه بِاللَّيْلِ وَالسُّؤَال لَيْسَ عَن نفس السرى بل عَن سَببه قَوْله " مَا هَذَا الاشتمال " كَأَنَّهُ اسْتِفْهَام إِنْكَار وَسبب الْإِنْكَار أَن الثَّوْب كَانَ ضيقا وَأَنه خَالف بَين طَرفَيْهِ وتواقص أَي انحنى عَلَيْهِ حَتَّى لَا يسْقط فَكَأَنَّهُ عِنْد الْمُخَالفَة بَين طرفِي الثَّوْب لم يصر ساترا إِذا انحنى ليستتر فَأعلمهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام بِأَن مَحل ذَلِك فِيمَا إِذا كَانَ الثَّوْب وَاسِعًا وَأما إِذا كَانَ ضيقا فَإِنَّهُ يجْزِيه أَن يتزر بِهِ لِأَن الْمَقْصُود هُوَ ستر الْعَوْرَة وَهُوَ يحصل بالاتزار وَلَا يحْتَاج إِلَى الانحناء المغاير للاعتدال الْمَأْمُور بِهِ قَوْله " كَانَ ثوبا " أَي كَانَ الْمُشْتَمل بِهِ ثوبا فَيكون انتصاب ثوبا على أَنه خبر كَانَ وَفِي رِوَايَة أبي ذَر وكريمة " كَانَ ثوب " بِالرَّفْع وَوَجهه أَن تكون كَانَ تَامَّة فَلَا تحْتَاج إِلَى الْخَبَر وَفِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ " كَانَ ثوبا ضيقا " قَوْله " فاتزر بِهِ " أَمر وَقَالَ الْكرْمَانِي بإدغام الْهمزَة المقلوبة تَاء فِي التَّاء وَقَول التصريفيين اتزر خطأ هُوَ الْخَطَأ (قلت) تَحْقِيق هَذِه الْمَادَّة أَن أصل الْفِعْل أزر على ثَلَاثَة أحرف فَلَمَّا نقل إِلَى بَاب الافتعال صَار امتزر على وزن افتعل بهمزتين أولاهما مَكْسُورَة وَهِي همزَة الافتعال وَالْأُخْرَى سَاكِنة وَهِي همزَة الْفِعْل ثمَّ يجوز فِيهِ الْوَجْهَانِ أَحدهمَا أَن تقلب الْهمزَة يَاء آخر الْحُرُوف فَيُقَال أيتزر وَالْآخر أَن تقلب تَاء مثناة من فَوق وتدغم التَّاء فِي التَّاء وَهُوَ معنى قَول الْكرْمَانِي بإدغام الْهمزَة المقلوبة تَاء فِي التَّاء وَلَفظ الحَدِيث على الْوَجْه الأول. (ذكر استنباط الحكم مِنْهُ) قَالَ الْخطابِيّ الاشتمال الَّذِي أنكرهُ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - هُوَ اشْتِمَال الصماء وَهُوَ أَن يُجَلل نَفسه بِثَوْبِهِ وَلَا يرفع شَيْئا من جوانبه وَلَا يُمكنهُ إِخْرَاج يَدَيْهِ إِلَّا من أَسْفَله فيخاف أَن تبدو عَوْرَته عِنْد ذَلِك وَقَالَ ابْن بطال حَدِيث جَابر هَذَا تَفْسِير حَدِيث أبي هُرَيْرَة الَّذِي فِي الْبَاب الْمُتَقَدّم وَهُوَ " لَا يصلين أحدكُم فِي الثَّوْب الْوَاحِد لَيْسَ على عَاتِقه مِنْهُ شَيْء " فِي أَنه أَرَادَ الثَّوْب الْوَاسِع الَّذِي يُمكن أَن يشتمله وَأما إِذا كَانَ ضيقا فَلم يُمكنهُ أَن يشْتَمل بِهِ فليتز بِهِ وَقَالَ الْكرْمَانِي فَإِن قيل الحَدِيث السَّابِق فِيهِ نهي عَن الصَّلَاة فِي الثَّوْب الْوَاحِد متزرا بِهِ وَظَاهره يُعَارض " وَإِن كَانَ ضيقا فاتزر بِهِ " وَأجَاب الطَّحَاوِيّ بِأَن النَّهْي عَنهُ للواجد لغيره وَأما من لم يجد غَيره فَلَا بَأْس بِالصَّلَاةِ فِيهِ كَمَا لَا بَأْس بِالصَّلَاةِ فِي الثَّوْب الضّيق متزرا. وَمِمَّا يستنبط مِنْهُ جَوَاز طلب الْحَوَائِج بِاللَّيْلِ من السُّلْطَان لخلأ مَوْضِعه وَجَوَاز مَجِيء الرجل إِلَى غَيره بِاللَّيْلِ لِحَاجَتِهِ. وَمن ذَلِك أَن الثَّوْب إِذا كَانَ وَاسِعًا يُخَالف بَين طَرفَيْهِ وَإِن كَانَ ضيقا يتزر بِهِ.
28 - (حَدثنَا مُسَدّد قَالَ حَدثنَا يحيى عَن سُفْيَان قَالَ حَدثنِي أَبُو حَازِم عَن سهل قَالَ كَانَ رجال يصلونَ مَعَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عاقدي أزرهم على أَعْنَاقهم كَهَيئَةِ الصّبيان) ذكر البُخَارِيّ هَذَا الحَدِيث فِي أول بَاب عقد الْإِزَار على الْقَفَا مُعَلّقا حَيْثُ قَالَ وَقَالَ أَبُو حَازِم عَن سهل " صلوا مَعَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عاقدي أزرهم على عواتقهم " وَأخرجه هَهُنَا مُسْندًا عَن مُسَدّد بن مسرهد عَن يحيى الْقطَّان عَن سُفْيَان الثَّوْريّ عَن أبي حَازِم بِالْحَاء الْمُهْملَة سَلمَة بن دِينَار عَن سهل بن سعد السَّاعِدِيّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ إِلَى آخِره وَأخرجه أَيْضا عَن مُحَمَّد بن كثير وَأخرجه مُسلم فِي الصَّلَاة عَن أبي بكر بن أبي شيبَة عَن وَكِيع بِهِ وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن مُحَمَّد بن سُلَيْمَان الْأَنْبَارِي عَن وَكِيع بِهِ وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن عبيد الله بن سعيد عَن يحيى بِهِ وَلَفظ أبي دَاوُد عَن سهل بن سعد قَالَ " رَأَيْت الرِّجَال عاقدي

الصفحة 68