كتاب سلسلة ومضات إعجازية من القرآن والسنة النبوية (اسم الجزء: 4)

اللّه تعالى بيته العتيق ومنع أن يتطور الصراع إلى أن يكون دمويا .. أما ما حصل في أوقات أخرى من التاريخ الإسلامي كما في حالة ثورة عبد اللّه ابن الزبير رضي اللّه عنهما أو غيرها سواء في مكة أو في المدينة، ثم ما حصل في العهد العباسي والعثماني والمماليكي وصولا إلى غزو الجيش المصري في عهد محمد علي باشا لإخماد الحركة الوهابية، لم يكن دمويا أو مأساويا كما حصل لتاريخ مدن اخرى .. أما ما حصل من أمر القرامطة وسرقة الحجر الأسود وما فعله في سنة 317 ه أبو طاهر سليمان الجنابي فهو من أشنع وأدهى ما حصل لهذه الأرض المقدسة، وذلك أنه سار بجنده إلى مكة فوافاها يوم التروية فلم يرع حرمة البيت الحرام، بل نهب هو وأصحابه أموال الحجاج وقتلوهم حتى في المسجد الحرام وفي البيت نفسه وقلع الحجر الأسود وأنفذه إلى هجر فخرج إليه أمير مكة في جماعة من الأشراف فسألوه في أموالهم فلم يشفعهم فقاتلوه فقتلهم أجمعين وقلع باب البيت وطرح القتلى في بئر زمزم ودفن الباقين في المسجد الحرام حيث قتلوا بغير غسل ولا كفن ولا صلى على أحد منهم وأخذ كسوة البيت فقسمها بين أصحابه ونهب دور أهل مكة. ولم يحصل في التاريخ أن انتهكت حرمة هذا البيت إلى هذا الحد، حتى أن المهدي عبيد اللّه العلوي لما علم ذلك كتب إلى أبي طاهر ينكر عليه ذلك ويلومه ويلعنه ويقيم عليه القيامة ويقول: قد حققت على شيعتنا ودعاة دولتنا اسم الكفر والإلحاد بما فعلت وإن لم ترد على أهل مكة وعلى الحجاج وغيرهم ما أخذت منهم وترد الحجر الأسود إلى مكانه وترد كسوة الكعبة فأنا بريء منك في الدنيا والآخرة، ولما وصله هذا الكتاب أعاد الحجر الأسود واستعاد ما أمكنه من أموال أهل مكة فرده، وقال: إن الناس اقتسموا كسوة الكعبة وأموال الحجاج ولا أقدر على منعهم.
وكأن كل ذلك الاستثناء لهذه المدينة وهذا الحفظ العجيب لها من ملمات الدهر يشكل حفظا خاصا وعناية متميزة لهذه المدينة التي تحوي بين جنباتها أطهر بقعة ألا وهي بيت اللّه العتيق، وكأن الكلمة الخالدة التي أطلقها عبد المطلب بن هاشم جد النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم إبان الغزو الحبشي عام الفيل يتردد صداها عبر العصور (للبيت رب يحميه) ..
وإنك تجد ذلك كله مثبت في القرآن الكريم كما جاء في سورة الفيل مثلا ... ويقول تعالى موضحا دعاء أبي الأنبياء سيدنا إبراهيم عليه السلام أن يكون البيت الحرام آمنا مرزوقا طيبا، ومن ثم استجابة اللّه تعالى لذلك الدعاء: وإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً لِلنَّاسِ وأَمْناً واتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى وعَهِدْنا إِلى إِبْراهِيمَ وإِسْماعِيلَ أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ

الصفحة 100