كتاب سلسلة ومضات إعجازية من القرآن والسنة النبوية (اسم الجزء: 4)

السَّماواتِ والْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما وجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ (30). فإذا أخذنا المعنى من قوله تعالى السماوات والأرض على اختلاف الجنس - أي أن السماوات شيء والأرض شيء آخر - كان المعنى ما ذكرناه في كتاب الفلك، أما إذا ما اعتبرنا أن المعنى يؤخذ على التتابع كقولنا (كريم أحمد وعلي)، أي أن أحمد له صفة الكرم وعلي كذلك، وعليه المعنى يكون أن السماوات كانت رتقا أي جزءا واحدا ففصلت كما بينا في كتاب الفلك وهو ما أيدته اكتشافات الانفجار الكبير، والأرض أيضا كانت جزءا واحدا ثم فصلت، وهذا ما أيدته نظرية تباعد القارات التي أصبحت بمثابة الحقيقة نظرا للمكتشفات الحجرية التي تثبت تلاصق القارات في أول تكون الأرض ثم تباعدها وتحركها بالشكل الذي أصبحت عليه اليوم، والعملية مستمرة. وحيث أن تتمة الآية ذكرت أن الماء جعل منه كل شيء حي من المخلوقات، فإن انفصال القارات وما نتج عنه من تشكل المحيطات بشكلها المعروف حاليا - أي تداخل ماءها بين هذه القارات - أدى لاحقا إلى بدء وتكون الحياة وتدرجها على الكوكب، واللّه أعلم.
هذا فضلا على أن المعنى يشمل أيضا ما ذكره كل من الأستاذ الدكتور منصور حسب النبي رحمه اللّه تعالى والأستاذ الدكتور زغلول النجار في أن المعنى يؤخذ على انفصال الغلاف الجوي عن جسم الأرض لتشكل طبقات نزول المطر وما به من ماء يجعل منه كل شيء حي، واللّه أعلم ... وقد تكون الآية الكريمة عنت كل ما ذكر من المعنيين، لأن الاصطلاح واللغة تسمح كما وأن والحقائق العلمية أثبتت ذلك، واللّه أعلم.

الصفحة 18