كتاب سلسلة ومضات إعجازية من القرآن والسنة النبوية (اسم الجزء: 4)

الصالح، وهنا نشير إلى أن الإمام الرازي رحمه اللّه تعالى كان قد قال في تفسيره أن الأرض مكورة. ثم عطفت الآيات المباركات وجود الجبال والأنهار والبحار على خلق السماوات والأرض، وقد ذكرنا في كتابنا (تفصيل النحاس والحديد في الكتاب المجيد) كيف أن الحديد مع غيره من العناصر موجود في كل هذه الأمكنة وله دورة طبيعية في الكون.
5. أن للأرض صدوع، وهذا ما ثبته القرآن الكريم قبل العلم الحديث بقوله تعالى:
وَالْأَرْضِ ذاتِ الصَّدْعِ (12)، (الطارق: 12). والصدع في اللغة هو الشق، وقد فسرت في وقت النزول أن الأرض تنشق عند خروج الزرع منها.
6. لقد أدى هذا إلى تمايز أرضنا فأصبحت تتكون من لب صلب يغلب على تركيبه الحديد والنيكل يغطيه إلى الخارج لب سائل، توجد به أيضا نسبة عالية من الحديد والنيكل المنصهر، ويلي ذلك إلى الخارج أربعة أنماط من الأوشحة المتباينة في صفاتها الكيميائية والطبيعية، ويغلف ذلك كله الغلاف الصخري للأرض. بما أن الحديد من العناصر الانتقالية ذات درجات الانصهار العالية والكثافة الكبيرة والخاصية المغناطيسية العظيمة، وهو أثقل من العناصر الأخرى، فإنه ترسب إلى طبقة عميقة من الأرض، ووصل إلى مركز الأرض مشكلا منطقة الحديد السائل في مركز الأرض، ولما كانت غالبية أرضنا من العناصر الخفيفة، استقرت هذه العناصر الحديدية في لب أرضنا وساعدت على تشكلها بهيئتها الحالية وهذه هي المرحلة الثانية من نزول الحديد «1»، وهو معنى قوله تعالى: لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلَنا بِالْبَيِّناتِ وأَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ والْمِيزانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَاسٌ شَدِيدٌ ومَنافِعُ لِلنَّاسِ ولِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ ورُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (25)، (الحديد: 25)، والتي سنتطرق لبعض تفاصيلها في فصل لاحق من هذا الكتاب.
فسبحان الذي أوحى إلى محمد صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، ذلك النبي الأمي، بهذه الحقيقة الكونية قبل ألف وأربعمائة سنة، وفي وقت لم يكن لأحد على سطح الأرض القدرة على إدراك ولو جزء من هذه الحقيقة. فسبحان الذي خلق لنا الأشياء كلها بمقدرته وسخرها لنا بحكمته سبحانه ما أعظم شأنه وأكبر سلطانه، سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم.
______________________________
(1) انظر كتابنا (تفصيل النحاس والحديد في الكتاب المجيد).

الصفحة 23