كتاب سلسلة ومضات إعجازية من القرآن والسنة النبوية (اسم الجزء: 4)

الطين والصناعات الفخارية واستخداماتها في البناء والأثاث يأخذنا قوله سبحانه وتعالى في سورة الإنسان محدثا عن أهل الجنة ويُطافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وأَكْوابٍ كانَتْ قَوارِيرَا (15) قَوارِيرَا مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوها تَقْدِيراً (16). (الإنسان: 15 و16) .. والقوارير كما معروف هو الزجاج أو الأواني المزججة فكيف تكون من فضة. يقول صاحب الظلال في معرض تفسيره لهذه الآية المباركة: فهم في متاعهم متكئون على الأرائك بين الظلال الوارفة والقطوف الدانية والجو الرائق يطاف عليهم بآنية من فضة وفي أكواب من فضة كذلك ولكنها شفة (أي شفافة) كالقوارير مما لم يعهده أهل الأرض من آنية الفضة وهي بأحجام متعددة تقديرا يحقق المتاع والجمال «1» .. وقد وردت كلمة القوارير والزجاج في القرآن عدة مرات في سور مختلفة كي تعطي لأهمية هذه الصناعة دورها البارز في حياتنا.
لقد ثبت القرآن الكريم سبقا مهما في صدد مزج المعادن بالزجاجيات وكيفية يمكن للفضة ان تكون شفافة رغم أن الحديث كان عن صفات أهل الجنة، إلا أنه يؤشر أهمية خاصة، فمن المعروف أن الحرف (من) يأتي للتبعيض أحيانا أو للتخصيص أحيانا أخرى، وما دام اللفظ القرآني قد خصص مادة الأكواب الزجاجية (القوارير) والتي جعلها من فضة تحديدا فإن المعنى مقصودا وهو حقيقة وليس مجازا.
هذا الاكتشاف أيضا يدفع المسلم للبحث عن مادة جديدة تأخذ صفات الفضة (وهي معدن) مع صفات زجاج (وهي فخار رملي)، فهل جعلنا ذلك الأمر مدعاة للبحث والاستقصاء. وتلك دعوة للإخوة الباحثين كي يستغلوا هذا السبق القرآني وهذه الدعوة الإلهية الكريمة ويستكشفوا لنا مادة قد تكون ذات أهمية عظيمة. فرغم أنها من مواصفات مواد الجنة إلا أن ذلك لا يمنع من سبر أغوارهما في الدنيا لأن تخصيص القرآن لهما دليل على الأهمية، فالقرآن الكريم لا يأتي بالمثل المعين إلا لحكمة معينة وعلى الناس أن يكتشفوها إن كانت منفعة دنيوية، وأما إذا كان الغرض منها أخرويا فقد تعهد القرآن الكريم بتبيان وتفصيل أمرها.
3 - الاستنباط:
أما الآيات الاستنباطية ففيها من السبق القرآني ما يبعث على العجب حقا. وهي تنقسم إلى الاستنباط العددي، والاستنباط اللغوي.
______________________________
(1) تفسير الظلال سيد قطب، ج/ 6، ص 3782.

الصفحة 79