كتاب سلسلة ومضات إعجازية من القرآن والسنة النبوية (اسم الجزء: 4)

ويؤيد هذا التوجه المعنى اللغوي لكلمة (لو لا) فهي حرف امتناع لوجود، أي ما منعنا أن نفعل هذا الاستدراج للكفار إلا أن يجتمع الناس على هذا الأمر ظانين أنه أمر تكريمي، فالناس بطبيعتهم مزين لهم حب الشهوات كما أنبأنا القرآن الكريم. إلا أن الواقع أن هذا تكريم استدراجي مع مهانة وتحقير، كما أن مرادفات (لو لا) في اللغة هي (لو ما، هلا، ألا)، ف (لو ما) حرف امتناع لوجود مع الحث على فعل الشيء، بينما (هلا) و (ألا) فيها دعوة إلى ذلك، واللّه تعالى لا يحث ولا يدعو الناس إلى الكفر - حاشا للّه - لذلك لم تستخدم هذه المرادفات بدلا عن (لو لا)، واللّه أعلم.
إن موضوع ظهور طبقة سوداء تغطي الفضة المعرضة للجو كان أمرا ملاحظا منذ القدم أي منذ ظهور الفضة واستخدامها في غابر العصور وكان الناس يعرفون كيف يجلون هذه الطبقة وينظفونها إما باستخدام حجر صلد أو معدن قوي فيحكوها به ليصقلوها ويزيلون الطبقة السوداء لترجع الفضة ناصعة كما كانت ولكنهم لم يعرفوا التفسير العلمي الكيمياوي لهذه الظاهرة كما فسره العلم الحديث. وكان لظهور الإسلام في الجزيرة قد أعطى دفعا جديدا ومعنا آخر لهذا الاستخدام، كما أعطى دفعا للمسلمين كي يبحثوا ويدرسوا كل خلق اللّه ويتعلموا ليستفيدوا وليغيروا أنفسهم وأمتهم في كل أمور الدنيا والآخرة، إذ كيف نفسر معرفة المصطفى صلّى اللّه عليه وآله وسلّم لهذه الحقيقة وغيرها من الحقائق التي تخص هذا المعدن وغيره إلا أنه جاء بها من لدن حكيم خبير، فاسمع إلى حديث رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم عند ما جاءه أحدهم شاكيا له أنفه الذي شج فأبدله بأنف من فضة فإذا بالأنف البديل يسبب له قيحا في أنفه فنصحه الرسول صلّى اللّه عليه وآله وسلّم بإبدال الفضة بالذهب وجعل الأنف البديل من الذهب فقد ذكر الترمذي في سننه في كتاب (اللباس 1770) قال أخبرنا قتيبة قال حدثنا ابن يزيد بن زريع عن أبي الأشهب قال حدثني عبد الرحمن بن طرفة عن عرجمة بن سعد بن عريب قال وكان جده قال حدثني أنه رأى جده أصيب أنفه يوم الكلاب في الجاهلية قال فاتخذ أنفا من فضة فأنتن عليه فأمره النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم أن يتخذه من ذهب «1».
وسبب هذا التبديل لأنه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم كان يعلم، وهذا ما أنباه به العليم الحكيم، أن الذهب لا يتآكل ولا يتأثر بالجو فلا يؤثر على الجسم ولا يقيح الجسم له، أما الفضة فيسبب هذه الخاصية فيها وكما أشرنا السخام هذا الذي يؤدي إلى ظهور القيح والجراحة في
______________________________
(1) أخرجه النسائي (كتاب الزينة - 5162) وأبو داود (كتاب الخام 4232).

الصفحة 90