كتاب سلسلة ومضات إعجازية من القرآن والسنة النبوية (اسم الجزء: 4)

أول بيت للناس لعبادته وحده لا شريك له في مكة، فهي وجهة الناس ومتجههم في الحج والعمرة وهي ذات موقع متوسط في العالم إذ أنها تمثل المعنى والمفهوم الجغرافي لوسطية الأمة الإسلامية، كما قال تعالى:
وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ ويَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً وما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ وإِنْ كانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ (143) (البقرة: 143)، وهذه الوسطية في الإسلام شاملة المعاني، وسطية في التمتع بطيبات الحياة دون إفراط أو تفريط، وسطية في الأمور العامة والخاصة فلا تبذير ولا تقتير، ثم أنها وسطية بالموقع والمكان ولذلك اختارها اللّه تبارك وتعالى لتكون مهبط خاتم رسالاته إلى البشر أجمعين وهي التي يقول عنها صلّى اللّه عليه وآله وسلّم أن الصلاة في بيتها الحرام يعدل مائة ألف ركعة وهو ما مروي عنه في الحديث الصحيح.
ومكة كما هو معروف تحتل موقعا متميزا منذ أقدم العصور، وهي حتى الآن منطقة عبور القوافل التجارية وطريقا رئيسيا للتجارة الدولية، فلقد اعتمدت التجارة الدولية على طريقين رئيسيين هما طريق مكة التجاري، وطريق الخليج العربي شمال شبه الجزيرة العربية. ولكي نثبت هذا دعونا نتكلم بعض الشيء عن الجغرافية وعلم المساحة والخرائط الذي سبق أن أشرنا إليه.
تطور علم الخرائط تطورا كبيرا بعد اختراع الأقمار الصناعية وسفن الفضاء، وهي التي قامت ولا تزال بتصوير وجه الكرة الأرضية من أبعاد واتجاهات مختلفة وظهرت حقائق علمية عديدة لم تكن معلومة للإنسان عن مساحات، ومسافات، وتضاريس لقارات، وبحار، وجزر، ومحيطات. وتوضع على الخرائط الجغرافية خطوط ودوائر، أما الخطوط فهي خطوط الطول وهي عبارة عن خطوط يتصورها العلماء على سطح الكرة الأرضية، وتصل فيما بين القطبين، وخط الطول الأساسي فيها يأخذ رقم الصفر، وهو الخط المار بضاحية غرينتش بالقرب من لندن، وعدد خطوط الطول هذه هو 360 خطأ نصفها شرق غرينتش، والنصف الآخر غربه، تساعد هذه الخطوط على تحديد المكان على سطح الكرة الأرضية. وأما الدوائر فهي دوائر يتصورها العلماء على وجه الأرض ومنها دائرة أو خط الاستواء، وتقع في منتصف المسافة بين القطبين ودرجتها الصفر، ثم

الصفحة 95