كتاب الفرج بعد الشدة للتنوخي (اسم الجزء: 4)

فَقَالَت: تعال، حَتَّى نَأْكُل وَنَشْرَب، ودع السُّؤَال.
وَجَلَست وَقدم الطَّبَق، فأكلنا جَمِيعًا، ثمَّ جِيءَ بِالشرابِ، واندفع الْجَوَارِي بِالْغنَاءِ، وأخذنا فِي الشَّرَاب، وَقد كَاد عَقْلِي يَزُول سُرُورًا.
فَلَمَّا توسطنا أمرنَا، قلت لَهَا: يَا ستي، أَنْت هجرتيني بِغَيْر ذَنْب كَبِير أوجب مَا بلغته من الهجران، وترضيتك بِكُل مَا فِي الْمقدرَة، فَمَا رضيت، ثمَّ تفضلت ابْتِدَاء بِالرُّجُوعِ إِلَى وصالي بِمَا لم تبلغه آمالي، فعرفيني مَا سَبَب هَذَا؟ قَالَت: كَانَ الْأَمر فِي سَبَب الهجر ضَعِيفا كَمَا قلت: وَلَكِن تداخلني من التجني مَا يتداخل المحبوب، ثمَّ اسْتمرّ بِي اللجاج، وَأرَانِي الشَّيْطَان أَن الصَّوَاب فِيمَا فعلته، فأقمت على مَا رَأَيْت.
فَلَمَّا كَانَ السَّاعَة، أخذت دفترًا كَانَ بَين يَدي وتصفحته، فَوَقَعت عَيْني مِنْهُ على قَول الشَّاعِر:
الْعُمر أقصر مدّة ... من أَن يضيّع فِي الْحساب
فتغنّمي ساعاته ... فمرورها مرّ السَّحَاب
قَالَت: فَعلمت أَنَّهَا عظة لي، وَأَن سبيلي أَن لَا أَسخط الله عز وَجل بإسخاط زَوجي، وَأَن لَا أسْتَعْمل اللجاج، فأسوءك، وأسوء نَفسِي، فجئتك لأترضاك، وأرضيتك.
فانكببت على يَديهَا ورجليها، وَصفا مَا كَانَ بَيْننَا.

الصفحة 428