كتاب الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف للمرداوي (اسم الجزء: 4)

قَبِلَ اسْتِحْقَاقَ مَا ادَّعَى عَلَيْهِ الْآخَرُ. وَالْأَصْلُ مَعَهُ. وَيَشْهَدُ لَهُ: أَنَّ الْمَبِيعَ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ إذَا رَدَّهُ الْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ، فَأَنْكَرَ الْبَائِعُ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْمَبِيعُ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي. حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ. لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَى اسْتِحْقَاقِ الْفَسْخِ بِالْخِيَارِ. وَقَدْ يَنْبَنِي عَلَى ذَلِكَ: أَنَّ الْمَبِيعَ بَعْدَ الْفَسْخِ بِعَيْبٍ وَنَحْوِهِ: هَلْ هُوَ أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي، أَوْ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ؟ فِيهِ خِلَافٌ. وَقَدْ يَكُونُ مَا أَخَذَهُ أَمَانَةً عِنْدَهُ.
وَمِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ عَلَّلَ بِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ ذِمَّةِ الْبَائِعِ مِمَّا يُدَّعَى عَلَيْهِ. فَهُوَ كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِعَيْنٍ ثُمَّ أَحْضَرَهَا، فَأَنْكَرَ الْمُقَرُّ لَهُ أَنْ تَكُونَ هِيَ الْمُقَرُّ بِهَا. فَإِنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمُقِرِّ مَعَ يَمِينِهِ. انْتَهَى كَلَامُهُ فِي الْقَوَاعِدِ.

الرَّابِعَةُ:
لَوْ بَاعَ الْوَكِيلُ شَيْئًا، ثُمَّ ظَهَرَ الْمُشْتَرِي عَلَى عَيْبٍ. فَلَهُ رَدُّهُ عَلَى الْمُوَكِّلِ فَإِنْ كَانَ مِمَّا يُمْكِنُ حُدُوثُهُ، فَأَقَرَّ الْوَكِيلُ أَنَّهُ كَانَ مَوْجُودًا حَالَةَ الْعَقْدِ، وَأَنْكَرَ الْمُوَكِّلُ.
فَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: يُقْبَلُ إقْرَارُهُ عَلَى مُوَكِّلِهِ بِالْعَيْبِ.
قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ. وَصَحَّحَهُ فِي الْفَائِقِ. وَظَاهِرُ الشَّرْحِ: الْإِطْلَاقُ.

الْخَامِسَةُ:
لَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً عَلَى أَنَّهَا بِكْرٌ. فَقَالَ الْمُشْتَرِي: هِيَ ثَيِّبٌ: أُرِيَتْ النِّسَاءَ الثِّقَاتِ. وَيُقْبَلُ قَوْلُ وَاحِدَةٍ. فَإِنْ وَطِئَهَا الْمُشْتَرِي. وَقَالَ: مَا وَجَدْتهَا بِكْرًا: خُرِّجَ فِيهَا الْوَجْهَانِ، بِنَاءً عَلَى الْعَيْبِ الْحَادِثِ. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ.

السَّادِسَةُ:
لَوْ بَاعَ أَمَةً بِعَبْدٍ، ثُمَّ ظَهَرَ بِالْعَبْدِ عَيْبٌ. فَلَهُ الْفَسْخُ، وَأَخْذُ الْأَمَةِ أَوْ قِيمَتِهَا لِعِتْقِ مُشْتَرٍ. وَلَيْسَ لِبَائِعِ الْأَمَةِ التَّصَرُّفُ فِيهَا قَبْلَ الِاسْتِرْجَاعِ بِالْقَوْلِ. لِأَنَّ مِلْكَ الْمُشْتَرِي عَلَيْهَا تَامٌّ مُسْتَقَرٌّ. فَلَوْ أَقْدَمَ الْبَائِعُ وَأَعْتَقَ الْأَمَةَ أَوْ وَطِئَهَا: لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ فَسْخًا، وَلَمْ يَنْفُذْ عِتْقُهُ. قَالَهُ الْقَاضِي. وَذَكَرَ فِي الْمُجَرَّدِ، وَابْنِ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ احْتِمَالًا أَنَّ وَطْأَهُ اسْتِرْجَاعٌ. وَرَدَّهُ فِي الْقَاعِدَةِ الْخَامِسَةِ وَالْخَمْسِينَ.

الصفحة 435