كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 4)

أليسوا صنعة من صنائعه؟ بلى هم صنعة من صنائعه {صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ} [النمل: آية 88]، ومعلوم أن الصنعة لا تشبه صانعها بحال، هذا أصل التوحيد الأعظم في آيات الصفات، وأساسها الأكبر، وهو تنزيه رب العالمين تنزيهًا كاملاً تامًّا لائقًا بكماله وجلاله عن مشابهته لشيء من صفات خلقه أو ذواتهم أو أفعالهم، وهذا الأصل الأعظم نصَّ الله عليه في قوله: ... {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: آية 11] {وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4)} [الإخلاص: آية 4] {فَلاَ تَضْرِبُواْ لله الأَمْثَالَ} [النمل: آية 74] ونحو ذلك من الآيات.
الأساس الثاني: هو -أيها الإخوان- إذا حققتم هذا الأصل الأعظم الذي هو التنْزيه، فالأصل الثاني: هو الإيمان بما جاء عن الله في كتابه المنزل، والإيمان بما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في سنته الصحيحة إيمانًا مبنيًّا على أساس ذلك التنزيه؛ لأنه لا يصف الله أعلم باللهِ مِنَ اللهِ {أَأَنتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ} [البقرة: آية 140] ولا يصف الله بعد الله أعلم بالله من رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قال فيه: {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى (4)} [النجم: الآيتان 3، 4].
هذان الأساسان العظيمان اللذان هما: تنزيه خالق السماوات والأرض عن مشابهة خلقه.
والثاني: تصديق الله والإيمان بما مدح به نفسه إيمانًا مبنيًّا على أساس التنزيه.
وهذان الأصلان العظيمان أيها الإخوان لم أقلهما لكم من تلقاء نفسي لا، لا، وكلا، وإنما بينتهما لكم على ضوء هذا الوحي

الصفحة 10