كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 4)

وتذبيح الأولاد الثاني: هو بعد أن جاءهم موسى نبيًّا من الله، كما صَرَّحَ الله به هنا، وأوضحه في سورة المؤمن في قوله: {فَلَمَّا جَاءهُم بِالْحَقِّ مِنْ عِندِنَا قَالُوا اقْتُلُوا أَبْنَاء الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِسَاءهُمْ وَمَا كَيْدُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ (25)} [غافر: آية 25] وهذا معنى قوله: {قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءهُمْ} وقرأ بعضهم: {سَنَقْتُلُ أبناءهم} (¬1).
{وَنَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ} [الأعراف: آية 127] لما هددهم فرعون هذا التهديد بقتل الأبناء جزع الإسرائيليون، جزعوا جزعًا شديدًا من ذلك، وخافوا منه خوفًا شديدًا، فصار نبي الله موسى يهدئهم، ويشير لهم إلى الوعد الذي عنده من الله، {قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ} [الأعراف: آية 128] استعينوا: معناه اطلبوا العون من الله، والياء في (استعينوا) مُبدلة من واو؛ لأن المادة واوية العين، ووزن (استعينوا): (اسْتَفْعِلُوا) (¬2) والسين والتاء للطلب؛ أي: اطلبوا العَوْن من الله على هذا الطاغية العظيم، وهذا الجبار الكافر، وتَرَقَّبُوا ما عند الله مِنَ الفَرَجِ، {وَاصْبِرُواْ} احبسوا نفوسكم على المكروه حتى يخلصكم الله بفضله: {إِنَّ الأَرْضَ لله} الأرض بجميعها ويدخل فيها أرض مصر {يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ} أي: يجعلها في آخر الأمرين لمن يشاء أن يجعلها له من عباده {وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} {وَالْعَاقِبَةُ} (¬3): الحال الحسنة التي تكون في آخر الأمرين، وما يؤول إليه الحال {لِلْمُتَّقِينَ} الذين يتقون الله بامتثال أوامره واجتناب
¬_________
(¬1) انظر: المبسوط لابن مهران ص213.
(¬2) مضى عند تفسير الآية (45) من سورة البقرة.
(¬3) مضى عند تفسير الآية (84) من سورة الأعراف.

الصفحة 100