كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 4)

بعد أن صرت نبيًّا، وذلك الإيذاء هو ذبح أولادنا، واستحياء نسائنا، وإهانتنا بالأعمال الشاقة. وقعت لنا منه هذه الإهانات وأنت هنالك في مدين قبل أن تأتينا ووقع لنا ذلك بعد ما جئتنا، فتراه الآن يقول: إنه يذبح أبناءنا!! فقد حصل لنا الأذى في كل الأوقات قبل مجيئك وبعده. وهذا معنى قولهم: {أُوذِينَا مِن قَبْلِ أَن تَأْتِينَا وَمِن بَعْدِ مَا جِئْتَنَا} فَهَدَّأَهم نبي الله موسى، وأشار لهم إشارة أكبر من الأول إلى الوعد بنصر الله لعباده المؤمنين، وإهلاك الكفرة الظالمين، قال: {عَسَى رَبُّكُمْ} (عسى) فعل تَرَجٍّ يدل على رجاء اتصاف المبتدأ بالخبر، وخبره غالبًا إنما يكون فعلاً مضارعًا مقرونًا بـ (أن) وربما جُرِّد من (أن) كما هو معروف في محله. أي: فأرجو لكم رجاء قويًّا من عند خالقكم (جل وعلا)، أي: من خالقكم ومدبر شؤونكم عسى أن يهلك عدوكم فرعون وقومه بأمر من عنده {وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأَرْضِ} أي: يجعلكم خلفاء في الأرض من بعدهم {عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ} فذلك يدل على أن المستخلفين في الأرض لم يُستخلفوا فيها لأجل الإنعام بها عليهم، بل كل ذلك للابتلاء والامتحان، فيطيعون الله فيما استخلفهم فيه أو يعصونه.
وهذه الآية الكريمة فيها وعيد شديد، وتخويف عظيم، لمن استخلفه الله في الأرض بعد عدوِّه الذي كان يقاومه وبسط يده بالأرض، فإذا كان عنده عقل فإنه يخاف من نظر الله إليه كيف يفعل، فيطيع الله في كل ما يفعل كما لا يخفى. فهذه من أعظم المواعظ وأكبرها التي يعظ الله بها الذين يُستخلفون في الأرض بعد الذي كانوا فيها. وهذا معنى قوله: {وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ

الصفحة 102