كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 4)

وقد قدمنا في هذه الدروس مرارًا (¬1) أن أشهر معاني (لعل) معنيان:
أحدهما: أنها حرف ترجٍّ كما هو معروف، إلا أن الترجّي فيها بالنسبة إلى خصوص علم المخلوقين؛ لأن الله (جل علا) عالم بما كان وما سيكون وما تؤول إليه عواقب الأمور. وعلى هذا فمعنى قوله تعالى لموسى وهارون: {فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ} [طه: آية 44] أي: على رجائكما أنتما أنه يتذكر، أما الله فهو عالم أنه لا يتذكر ولا يخشى.
المعنى الثاني: هو ما ذكره بعض العلماء من أن كل (لعل) في القرآن هي بمعنى التعليل إلا التي في سورة الشعراء: {وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ} [الشعراء: آية 129] قالوا: هي بمعنى: كأنكم تخلدون. هكذا ذكر بعضهم، ومن المعلوم أن (لعل) تأتي في القرآن مُرادًا بها التعليل، منه قوله تعالى: {وَجَعَلَ لَكُمُ الْسَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [النحل: آية 78] أنعم عليكم بهذه النعم لأجل أن تشكروا. ومن شواهد إتيان (لعل) مرادًا بها التعليل قول الشاعر (¬2):
وقُلتُم لَنَا كُفُّوا الحُرُوبَ لَعَلَّنَا ... نَكُفُّ ووثَّقْتُم لنا كُلَّ مَوْثِقِ

يعني: كفوا الحروب لأجل أن نكف عنكم. وهذا معنى قوله: {لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ} أي: يتعظون بما سلط الله عليهم من السنين ونقص الثمرات، وهذا معنى قوله: {وَنَقْصٍ مِّن الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ} [الأعراف: آية 130].
¬_________
(¬1) مضى عند تفسير الآية (52) من سورة البقرة.
(¬2) السابق.

الصفحة 105