كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 4)

{فَإِذَا جَاءتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُواْ لَنَا هَذِهِ} المراد بالحسنة هنا بإجماع المفسرين: هو ذاك الخصب، وكثرة المطر، وكثرة الأرزاق والعافية؛ أي: فإذا جاءهم الله بالحسنة فأَدَرّ عليهم السماء، وأنبت لهم الزروع والثمار، وأكثر غلات مواشيهم مِنْ ألْبَانٍ، وأسْمَان، وأزْبَاد، ولحوم، وشُعُور، وأوْبَارٍ، وأصْوَافٍ، إلى غير ذلك مما ينتفعون به مِنْ مَتَاعِ الدنيا، إذا جاءتهم هذه الحسنة {قَالُواْ لَنَا هَذِهِ} المعنى: هذه لنا ونحن نستحقها، وما أُعطيت لنا إلا أننا قوم عظام يستحقون هذه الكرامة، فهذا مما نستحقه؛ افتراء وكذبًا على الله.
{وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ} [الأعراف: آية 131] المراد بالسيئة هنا في أقوال المفسرين: هو ضد الحسنة، والمراد: إذا جاءهم قحط، وكان في الأرض جدب، وقلَّت أرزاقهم، وجاءتهم الأمراض. والمعنى: أن الله إذا قلَّل عليهم الأرزاق، وأمسك عنهم المطر، وجاءتهم الأمراض، إن جاءتهم هذه البلايا {يَطَّيَّرُواْ} أصله: يتطيروا {بِمُوسَى وَمَن مَّعَهُ} [الأعراف: آية 131] والتطير في لغة العرب: التَّشَاؤُمُ؛ أي: يَتَشَاءموا بموسى ومن معه، ويقولون: هذا الجدب، وهذه قلة الأرزاق، وهذه الأمراض ما جاءنا إلا بسبب شؤمكم، وسبب ما جئتم به من دين موسى، كل هذه البلايا بسبب شؤمكم. وهذه عادة الكفار إذا تَمَرَّدوا على الله، وعصوا الله، وكذبوا رسله، وعذبهم الله على ذلك، زعموا أن ذلك جاءهم من قِبَلِ الأنْبِيَاء (¬1). ونظائره في القرآن كثيرة، كما قال الكفار لنبيِّنَا صلى الله عليه وسلم مثل ذلك لما ذكره الله عنهم في سورة النساء في قوله: {وَإِن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُواْ هَذِهِ مِنْ عِندِ اللَّهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُواْ هَذِهِ مِنْ عِندِكَ قُلْ كُلًّ مِّنْ عِندِ اللَّهِ} [النساء:
¬_________
(¬1) انظر: الأضواء (2/ 330 - 331).

الصفحة 106