كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 4)

آية 78] وكما قال عن الرسل المذكورين في يس إن قومهم قالوا: {قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِن لَّمْ تَنتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ (18) قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ} [يس: الآيتان 18، 19] وكما ذكر عن قوم صالح أنهم قالوا له: {قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَن مَّعَكَ قَالَ طَائِرُكُمْ عِندَ اللَّهِ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ (47)} [النمل: آية 47] والتطير معناه: التشاؤم، والتشاؤم هو أن يقول: جاءني هذا بِشُؤْمِكَ. وأصل [17/ب] التطير (¬1) مشتق من الطير،/ لأن عادة العرب أن أكثر ما كانوا يتشاءمون به الطير، وهو الطيرة المعروفة، كانوا يأتون الطَّير ويطيرونها مِنْ مَوَاقِعِهَا، فإذا طارت على اليمين قالوا: هذا سانح.
وتَيَمَّنُوا به، وإذا طارت إلى الشمال قالوا: هذا بَارِح، وتشاءموا له، كما قال علقمة بن عبدة التميمي (¬2):
وَمَنْ تَعَرَّضَ لِلأَطْيَارِ يَزْجُرُهَا ... عَلَى سَلاَمَتِهِ لاَ بُدَّ مَشْؤُومُ

وكانوا يدّعون أنهم يعرفون أمور الغيب من طيران الطيور، وجِهَات طيرانها، وأصواتها، والأشجار التي تنزل عليها، وكان من المشتهرين بذلك بنو لِهْب من قبائل العرب، وفيهم قال الشاعر (¬3):
خَبِيرٌ بَنُو لِهْبٍ فَلا تَكُ مُلْغِيًا ... مَقَالَةَ لِهْبِيٍّ إذا الطَّيرُ مَرَّتِ
وقد جاءت أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم تنهى عن الطيرة وتحذِّر المسلمين، منها: حديث ابن مسعود في سنن أبي داود وغيره أنه صلى الله عليه وسلم
¬_________
(¬1) انظر: القرطبي (7/ 264).
(¬2) البيت في ديوانه ص56، وشطره الأول في الديوان هكذا:
وَمَنْ تَعَرَّضَ لِلْغِرْبَانِ ....... ... .......................................
(¬3) مضى عند تفسير الآية (58) من سورة الأنعام.

الصفحة 107