كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 4)

المحكم المنزل الذي هو نور الله وهُدَاه. وإيضاح ذلك: أن الله أوضح هذين الأساسين وارتباط أحدهما بالآخر في غاية الإيضاح في أوْجَزِ عبارة وأتمها وكملها، وذلك بقوله: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى: آية 11] فنؤمل -أيها الإخوان- أن تتأملوا في قوله: {وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} بعد قوله: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} وتربطوا أول الآية بآخرها، وآخرها بأولها لتهتدوا كما ينبغي، وإيضاح ذلك: أن السمع والبصر -ولله المثل الأعلى- هما صفتان يتصف بهما -من حيث هما سمع وبصر- سائر الحيوانات، فجميع الحيوانات تسمع وتبصر، والله (جل وعلا) يسمع ويبصر -سبحانه وله المثل الأعلى- ولكن لما أراد أن يبين لنا أنه يسمع ويبصر وضع الأساس الأعظم أولاً فقال: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: آية 11] لأن الأساس لإثبات الصفات هو التنزيه عن المماثلة وعن التشبيه، فوضع التنزيه هو الأساس الأول فقال: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} ثم قال: ... {وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} مبنيًّا على أساس: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} أي: سمعًا وبصرًا لا يماثلهما سمع مخلوق ولا بصره أبدًا ألبتة في حال من الأحوال. فكان أول هذه الآية الكريمة يدل على التنزيه التام من غير تعطيل، وآخرها يدل على الإيمان بالصفات إيمانًا حقيقيًّا من غير تشبيه ولا تمثيل. فعلينا أن نعتقد أولها: وهو التنزيه.
ونعتقد آخرها: وهو إثبات الصفات إثباتًا حقيقيًّا على أساس ذلك التنزيه، فكأن الله يقول لك: يا عبدي، يا عبدي تفهَّم وكن عاقلاً، ولا تذهب بسمعي وبصري إلى سمع المخلوقين وأبصارهم حتى تقول: هذه الصفة تُوهِمُ غَيْرَ اللائِقِ فيجب

الصفحة 11