كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 4)

في الكلام على مسلك الإيماء والتنبيه: أن (الفاء) من حروف التعليل (¬1)، يقولون: سها فسجد. أي: لِعِلَّة سهوه. سرق فقُطعت يده. أي: لِعِلَّة سرقته، قالوا: {فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ (132) فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ} أي: لِعِلَّة عنادهم وضلالهم وكفرهم وعدم إيمانهم بآيات الله. وصيغة الجمع في قوله: {أَرْسَلْنَا} للتعظيم.
{عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ} قال بعض العلماء: أصل الطوفان مصدر من: طاف يطوف، كالرجحان، والكفران، والغفران، نُعت به وللعلماء في الطوفان المذكور هنا أقوال متقاربة (¬2):
أشهرها وعليه الجمهور أن المراد بالطوفان: الماء الكثير كما صَرَّحَ اللهُ بِذَلِكَ؛ لأنه أهلك قوم نوح بالطوفان، وأن الله أولاً عذبهم بالماء الكثير، فأرسل عليهم مطرًا كثيرًا حتى دخل الماء بيوتهم، وصار الواحد منهم في بيته والماء إلى ترقوتِهِ، وإذا جَلَس غرق في الماء، ومنعهم الماء حراثتهم أن يحرثوا أو يزرعوا أو يعملوا شيئًا، صار يكاد يهلكهم، هذا هو الأظهر في الآية، أن المراد بالطوفان: الماء الكثير بأن أرسل الله عليهم الأمطار الغزيرة حتى فاض الماء على وجه الأرض ودخل بيوتهم. يقول المفسرون والمؤرخون (¬3): حتى إن الماء ليبلغ تراقيهم، ومن جلس منهم غرق في الماء، فمنعهم النوم وحالة المعائش والعمل في أرضهم، وكاد يقضي عليهم، وهذا هو القول المشهور الذي عليه أكثر العلماء.
¬_________
(¬1) مضى عند تفسير الآية (54) من سورة البقرة.
(¬2) انظر: ابن جرير (13/ 49)، القرطبي (7/ 267).
(¬3) انظر: ابن جرير (13/ 65).

الصفحة 112