كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 4)

وقال جماعة من علماء التفسير: الطوفان: الجدري. وهو قول غريب، وإن ذكره غير واحد.
وقال بعض العلماء: الطوفان: المُوتان. والمُوتان بضم الميم: موتٌ كثيرٌ يأتي الحيوانات فيقع فيها موت كثير، وربما أُطْلِقَ على الطَّاعون؛ لأنه يموت به موت كثير. وكان بعض علماء السلف يقول: الطوفان: هو كل ما طاف بك لِيُهْلِكَكَ ولا قُدْرَةَ لَكَ عَلَيْهِ (¬1)، من ذلك قوله تعالى: {فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِّن رَّبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ (19)} [القلم: آية 19].
فالحاصل أن أشهر أقوال علماء التفسير: أن المراد بالطوفان هنا: الماء الكثير. وقيل: إنه الجدري. وقيل: المُوتان، وهو موت الحيوانات الكثير، أي: الطاعون. والأظهر هو القول الأول: أنه الماء الكثير الذي دخل بيوتهم ومنعهم من أن يعملوا شيئًا. وبعض علماء التفسير يقولون: مكث عليهم سبعة أيام، من السبت إلى السبت. ومنهم من يقول: أربعون يومًا، ومنهم من يقول غير ذلك (¬2). فلما شق عليهم وأجهدهم شكوا إلى فرعون، فجاء فرعون إلى موسى وقال له: {ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِندَكَ لَئِن كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ} أي: هذا العذاب والله {لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ (134) فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَى أَجَلٍ هُم بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ (135)} [الأعراف: الآيتان 134، 135] فكشفه الله عنهم. قال المفسرون: وأنبتت أرضهم من ذلك الماء أكثر ما كانت تنبته، وجاءهم نعيم، فرجعوا إلى كفرهم، وقالوا: والله إنه لساحر.
¬_________
(¬1) انظر: ابن جرير (13/ 52)، القرطبي (7/ 268).
(¬2) انظر: ابن جرير (13/ 65، 69)، القرطبي (7/ 268).

الصفحة 113