كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 4)

هكذا ذكروا في سنن ابن ماجه (رحمه الله) عن هذين الصحابيين. وذكر القرطبي في تفسير هذه الآيات (¬1) أن الجراد إن هجم على زروع الناس اختلف العلماء: هل تجوز مقاتلته ومكافحته؟ وأن أظهر القولين أنه تجوز مكافحته وقتله لِكَفِّ أذَاهُ عَنِ النَّاسِ، وهذا القول هو الذي لا ينبغي العدول عنه لجريه على ظاهر النصوص؛ لأن المسلم إذا تَعَدَّى على أموال الناس لَزِمَ دَفْعُهُ عَنْهَا ولو أدَّى إِلى القِتَال، فكيف بالجراد؟! وهذا معنى قوله: {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ} [الأعراف: آية 133].
لما أنهكهم الجراد وكاد يهلكهم جاءوا إلى فرعون وشكوا إليه، فذهب فرعون إلى موسى وقال له: {يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِندَكَ لَئِن كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ} يعني الجراد {لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ ... } [الأعراف: آية 134] إلى آخر القصة.
{فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَى أَجَلٍ هُم بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ (135)} [الأعراف: آية 135] يقول بعض المفسرين: فمكثوا شهرًا في عافية (¬2). وبعضهم يقول: سنة. فأرسل الله عليهم القُمَّل، هذا القُمَّل الذي أرسل الله عليهم فيه للعلماء أقوال متقاربة (¬3):
كان ابن عباس (رحمه الله) يقول: هو سوس الحنطة. أرسل الله عليهم سوس الحنطة -على قول ابن عباس- فتكدس عليهم، وملأ عليهم بيوتهم وآنيتهم وأطعمتهم، وكان يدخل بين الواحد وبين ثيابه، فبلغوا منه أذى شديدًا.
¬_________
(¬1) القرطبي (7/ 268).
(¬2) انظر: ابن جرير (13/ 66).
(¬3) انظر: ابن جرير (13/ 54)، القرطبي (7/ 269).

الصفحة 117