كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 4)

وكذلك تظهر في المضارع، ومنه قوله (¬1):
وَلَسْنَا عَلَى الأَعْقَابِ تَدْمَى كُلُومُنَا ... وَلَكِنْ عَلَى أَقْدَامِنَا تَقْطُرُ الدَّمَا

ومعنى: (تَدْمَى) أصله: (تَدْمَيُ) (تَفْعَلُ) أُبدلت الياء ألفًا لسبق الفتحة قبلها كما هو معروف، هذا أصل الدم.
ومعنى تعذيبهم بالدم (¬2): أنهم كانوا كلما أخذوا الماء ليشربوا فإذا ذلك الماء دمٌ أحمر قانٍ عبيط، ليس لهم ماء، فإذا صبوا من أوعيتهم ماء فإذا ذلك الماء دم، وإذا استقوا من الأنهار فإذا الماء الذي استقوا منها دم، وإذا استقوا من الآبار فإذا هو دم.
يذكرون أن فرعون كان يجمع القبطي والإسرائيلي، والإسرائيلي يشرب الماء من إناء واحد فما أخذ منه الإسرائيلي فهو ماء، وما أخذه القبطي يكون دمًا، حتى إنهم زعموا أن القبط لما أضرّ بهم العطش؛ لأن جميع مياههم صارت دمًا، وصار كل ماء استقوه دمًا عبيطًا، أن القبطية كانت تقول لجارتها الإسرائيلية: اجعلي الماء في فيك ومُجيه في فيّ لأتبرد به، فإذا مَجَّتْه في فيْها نزل من فم الإسرائيلية ماء، فإذا وصل فم القبطية إذا هو دم عبيط!! هكذا يقولون (¬3).
والمفسرون يقولون: إن هذا الذي وقع كله للقبطيين لم يقع منه شيء للإسرائيليين، فلم يدخل الماء بيوتهم، ولم يأتهم القمل، ولم تأتهم الضفادع، ولم يأتهم الدم كما يقولون. والله تعالى أعلم.
¬_________
(¬1) السابق.
(¬2) انظر: ابن جرير (13/ 58 - 68).
(¬3) انظر المصدر السابق (13/ 64).

الصفحة 122